أجبر البطل العالمي في رياضة «الكيك بوكسينغ» بدر هاري على قضاء نهاية عطلة الأسبوع أسير الحراسة النظرية لدى المصالح الولائية للشرطة القضائية بمراكش. كانت عقارب الساعة تلامس الثالثة من صبيحة أول أمس السبت، مبنى ولاية الأمن يعيش على إيقاع هدوء يحكم الطوق على فضائه الخارجي، لا يعكر صفوه سوى تحركات بعض عناصر الحراسة الأمنية المنتشرين على امتداد مداخله وأبوابه، فيما بعض الردهات والمكاتب تعرف تحركا، مايؤشر على أن كبار المسؤولين كانوا يترقبون وينتظرون شيئا ما، حين حلت سيارة مرقمة بالبيضاء وعلى متنها بعض رجال الأمن بالزي المدني يتوسطهم شخص تشي قامته المديدة وعضلاته المفتولة عن شخص رياضي. بوصول القافلة إلى مبنى الولاية سينقلب الوضع رأسا على عقب وتنطلق حركية غير معهودة تنبئ عن استثنائية الضيوف الوافدين. كان واضحا أن وصول المجموعة في هذا الوقت المبكر تم عن سبق تخطيط وتدبير، ولم يكن أبدا مجرد محض صدفة بهدف الابتعاد عن عيون المتطفلين والمتربصين وضمان استقبال «الضيف» بعيدا عن الأنظار. بمرور الدقائق والساعات كانت سحب التوتر والاستنفار تزداد اتساعا وترتفع لتغطي كل سماء البناية، بحيث لم تكد تسطع شمس النهار وتحل ساعات العمل الرسمية حتى بدأت الألسنة تتناقل الخبر اليقين بالتزامن مع تحرك الهواتف والمكالمات في كل اتجاه. انجلت هوية الوافد الصباحي والذي لم يكن سوى البطل العالمي بدر هاري الذي تم استقدامه من طرف أمن البيضاء بناء على مذكرة بحث وطنية صادرة في حقه من لدن أمن مراكش. على غير عادته ظل البطل المثير للجدل محتفظا بهدوئه واتزانه دون أن يصدر عنه أي سلوك أو رد فعل عنيف، وبدا منتشيا وسط رجال الأمن يبادلهم التحيات والابتسام، يمازح هذا ويناقش ذاك وكأنه في زيارة خاصة للأسرة الأمنية. كل المؤشرات كانت تؤكد بأن البطل المتهم قد استعد وأعد لهذه اللحظة من خلال أجواء التفهم والتفاهم التي ميزت ساعات وجوده رهين التوقيف والاعتقال، كما بادلته العناصر الأمنية ومسؤولو الولاية الكثير من الود والترحاب واستقبلته استقبال الأبطال لا المجرمين، مع الحرص على التزام المساطير وعدم الإخلال بالإجراءات المتعين اتخاذها. شرع في إنجاز محضر الاستماع لأقوال ودفوعات البطل العالمي في مواجهة شكاية خصمه، وبدأت أنامل ضابط محترف ترقن كل كبيرة وصغيرة يتفوه بها بدر هاري. المعلومات المتوفرة تؤكد بأن المعني لم ينكر اعتداءه على خصمه/ ضحيته نادل الحانة الليلية الذي تقدم في حقه بشكاية معززة بشهادة طبية تحدد مدة العجز في 35 يوما جراء التعنيف الذي تعرض له على يد بطل العالم. أرجع المتهم أسباب نزول التعنيف إلى تجاوز النادل لحدوده في العمل حين كان هاري يقضي سهرة رفقة أحد أصدقائه داخل العلبة الليلية التابعة لأحد الفنادق المصنفة بالمنطقة السياحية بمراكش. صرح بدر هاري بأنه قد فوجئ بالنادل يتقدم منه ويحاول تسليمه هاتف إحدى الزبونات التي كانت تجلس بطاولة جانبية ويخبره بأن الفتاة تريد التعرف عليه ومجالسته. اعترض على هذا السلوك يؤكد المتهم، ورفض تسلم الورقة التي تقدم بها النادل، مع مطالبته باحترام نفسه والتزام عمله في السهر على خدمة الزبناء، غير أنه سيفاجأ حين محاولته مغادرة المكان وأداء الفاتورة، بالنادل يخبره بأن الزبونة قد تكفلت بالأداء وأدت جميع المستحقات، الأمر الذي استفزه وآثار غضبه ولم يعد معه متحكما في أعصابه، حين ثار في وجه النادل وصرخ في وجهه محتجا بأنه لا ينتظر إحسانا أو منة من أحد، وأمره بأن يبتعد عن طريقه ويعفيه من دور «الوساطة» الذي يحاول أن يلعبه معه، قبل أن يتوج احتجاجه بصفعة تأديبية سددت للوجه مباشرة. بالجهة الأخرى يقف يحيى النادل / الضحية الشاب ذو ال29 ربيعا بأقوال متناقضة يرجع من خلالها أسباب الاعتداء إلى عنجهية وجبروت البطل العالمي الذي حل بالعلبة الليلية التي يعمل بها نادلا وشرع في تعنيفه دون أي مبرر يذكر. ويرجع بتاريخ الواقعة إلى ليلة السبت 16 أبريل المنصرم، حين نادى عليه رئيسه في العمل وأخبره بأن بدر هاري حل بحانة الفندق، وبأن عليه اتخاذ كامل الاحتياطات أثناء خدمته لما عرف عنه من سلوكات عدوانية عنيفة. مسترشدا بتنبيهات وتحذيرات رئيسه، تقدم من الطاولة التي كان يتقاسمها بدر هاري وأحد أصدقائه الهولنديين يقول يحيى «قلت ليه السلام عليكم، آش تشرب»، فرد عليه «فودكا». استفسار البطل عن حجم القنينة المطلوبة سيفتح عليه أبواب اعتداء كاد يودي بحياته وفق تصريحاته، حين فوجئ بصفعة قوية تنهال على وجهه أفقدته توازنه أعقبتها صفعة أخرى أكثر قوة. وزاد مؤكدا بأنه اتجه بعدها بسرعة نحو رئيسه في العمل، وطلب منه إعفاءه من تلبية طلبية بدر هاري، بعد أن أخبره بالواقعة، فطلب منه صرف النظر عنه ومواصلة عمله، غير أن بدر هاري ظل يتتبعه بعينيه وهو يلبي طلبيات زبناء آخرين، قبل أن ينادي عليه ويطلب الاقتراب منه لكي يعتذر منه، يقول يحيى «بقى حاضيني بعينيه واحد الشوية قال ليا آجي نتصالح أنا وياك، حينت إلى ممشيت عندو غادي يقلب الطابلة على الكليان». ويستطرد النادل بأنه تقدم من هاري تفاديا لمزيد من غضبه الذي قد يدفع زبناء آخرون ثمنه «جيت عندو قلت ليه علاش ضربتيني أخويا بدر، حنى صحتنا غير على قد الحال، وقال ليا أنا كاع ما ضربتك، يالاه نهضر معاك فشي بلاصا ما فيها صداع». صدق يحيى كلمات هاري وتبعه إلى أحد الأروقة، غير أنه بمجرد دخولهما أغلق الباب وتكفل صديقه الهولندي الذي كان يرتدي سروالا برتقالي اللون بإحكامه، ليفسح المجال لهاري بتسديد لكمات قوية للنادل في نزال غير متكافئ تحول خلاله إلى هدف للقبضات الفولادية للبطل العالمي مما أدى إلى إصابته على مستوى الرأس والفك وأنحاء مختلفة من جسده نقل على إثرها صوب مستشفى ابن طفيل لتلقي العلاج وتغطية إصاباته بشهادة طبية، عززت شكايته لدى المصالح الأمنية. النيابة العامة أعطت تعليماتها بوضع البطل العالمي رهن الحراسة النظرية إلى حين عرضه عليها صباح الإثنين، مكللا بتهمة الضرب والجرح. اسماعيل احريملة