القدر الوحيد في متناول المثقف المتنور، في المجتمعات التي ماتزال خاضعة لتيارات مقاومة العقل ، هو الشجاعة. وعبد الصمد ديالمي، واحد من هؤلاء المتننورين الذين يستطيعون التنقيب في بواطن ‘‘ اللا عقل ‘‘ من أجل استنارة منشودة، للأسف قد يطول أمد تحقيقها على الأرض، كما قد تعرض صاحبها لمختلف أنواع ‘‘ التقريع ‘‘ … عبد الصمد الديالمي، عالم الاجتماع والباحث المغربي، يشبه كثيرا، في منهجه العلمي والتحليلي، توصيف الراحل بيير بورديو المتعلق بعلماء الاجتماع حين يقول ‘‘ هم أشبه ما يكونون بمشاغبين يفسدون على الناس حفلاتهم التنكرية، فعلماء الاجتماع يزعجون فعلا ‘‘ خصوصا و أنه يشتغل من داخل مشروع فكري مثير للخلاف بدل الاختلاف، فضلا عن كونه يشتغل في ظل مجتمع يدمن صناعة و تدبير أزمنة الحفل التنكري. ولد عبد الصمد ديالمي في الدارالبيضاء سنة 1948 وحاز على شهادة الباكالوريا من مراكش سنة 1967، ثم الإجازة في الفلسفة العام 1971. ثم حصل عبد الصمد ديالمي على الدكتوراه في الفلسفة ثم دكتوراه أخرى في علم الاجتماع في سنة 1980 من جامعة محمد الخامس بالرباط . كما حصل على دكتوراه الدولة سنة 1987 من جامعة أميان في فرنسا بعد مناقشة أطروحته ‘‘ النساء والخطاب في المغرب ‘‘. التجربة الفلسفية لعبد الصمد ديالمي انطلقت في ستينيات القرن الماضي، حيث اختار تعليم هذه المادة ‘‘ العقلية ‘‘ مزاوجا بين عطائه المهني واستمراره في تحليل الخطاب الديني الموروث عبر الانكباب على ما يسمى بفقه النوازل و ليلتحق بعدها بفضاءات الدرس الثانوي مدرسا للفلسفة و الفكر الإسلامي في زمن مغربي مفتوح على التوتر و الاختلال. لكنه لن يظل برفقة تلاميذ الصف الثانوي، بل سينتقل إلى المركز التربوي الجهوي بالبيضاء مدرسا هذه المرة لعلم النفس، ليلتحق بعدئذ بفاس متخصصا في علم الاجتماع، و منها إلى الرباط، ممارسا للشغب المعرفي، فيما يشبه البحث عن البحث المستمر عن المعرفة. في أوائل الثمانينيات سيثير الديالمي الكثير من الجدل، باشتغاله على تيمة تقترب كثيرا من ‘‘ الطابو ‘‘ في المجتمع المغربي: الجنس . حيث أصدر العام 1985 كتاب "المرأة و الجنس في المغرب"، و الذي أثار جدلا واسعا بسبب مسألتين. الأولى أنه اعتبر موقف الإسلام من المرأة قضية قراءة، أما الثانية فلكونه شكك في أسلمة كل القبائل المغربية في مطلع القرن العشرين. والكتاب كان في مجمله مزعجا لأنه شكل أول دراسة جامعية معمقة في تحليل سوسيولوجيا الجنس في الثقافة والواقع المغربيين، خصوصا وأن تلك السوسيولوجيا أتت باللغة العربية وكرسالة جامعية بخلاف كل ماكان قد صدر قبلها من دراسات وأبحاث حول الجنس المغربي بلغات أخرى أهمها طبعا اللغة الفرنسية. لتتواتر الإنتاجات باللغتين الفرنسية و العربية مقدما للقارئ المغربي متونا تتوزع على "المعرفة و الجنس" و "القضية السوسيولوجية" و "نحو ديمقراطية جنسية إسلامية" و "الجنس و الخطاب بالمغرب" و "النسائية الصوفية" و " السكن و الجنس و الإسلام" و " الشباب و السيدا و الإسلام" فضلا عن عدد الدراسات و الأبحاث المنجزة لفائدة مؤسسات وطنية و منظمات دولية. الصفة المميزة لاشتغالات عبد الصمد ديالمي السوسيولوجية تأتي من قيمته الثابتة كباحث ينسق أفكاره وتحليلاته وكتبه وفق خيط ناظم يجمعها، من منطلق واحد وإلى نهاية واحدة. حيث يشكل علم النفس أداة الاشتغال الأولى قبل الانتقال في قوالب التحليل نحو منهجيات علمية أخرى. لا يخفي ديالمي انبهاره وإعجابه بأعمال عالم النفس الألماني فيلهلم رايش الذي نادرا ما انكب الأخصائيون المغاربة أو العرب على أعماله أو جعلوها منطلقا لتحليلاتهم، وهو ما يؤكده الباحث المغربي في إحدى حواراته السابقة قائلا "لهذا اكتشفت رايش وأعجبت به و رأيت فيه عالما ومفكرا توفق في التوفيق بين قطبين: ماركس وفرويد… توفق في نقد التنظيم الاجتماعي البورجوازي للجنس… كان رايش بالنسبة لي المدخل الحقيقي إلى علم الاجتماع, وإلى ضرورة علم الاجتماع من أجل إحلال نظام جنساني شفاف… بفضله أحول الجنس إلى مدخل إلى مفتاح يمكن من فهم المجتمع المغربي الذي يعرف الآن انفجارا جنسيا غير مسبوق". أعمال ديالمي مؤسسة إذا لمبدأ القطيعة مع اليقينات الثابتة، رافضة للكثير من المسلمات المرددة والمنتشرة على نطاق واسع. وقد نستدل على هذا برفضه إعادة إنتاج مصطلحات قديمة أو عبر إعادة تفكيكها أو شرحها من خلال منظومة فكرية عصرية مختلفة تماما عن الشكل الموروث أو التقليداني الذي أنتجها في السابق، كرفضه مثلا لمصطلح البغاء، حين تحليله للجنسانية المغربية، والإصرار على تعويضها بمصطلح ‘‘ العمالة الجنسية ‘‘ أو ‘‘ الاشتغال الجنسي ‘‘ لأنه المصطلح الأسبق يحيل على حكم قيمة غير محايد… وبالتالي غير مجدي للتحليل العلمي، النفسي أو السوسيولوجي. عبد الصمد ديالمي هو أيضا من أبرز المثقفين المغاربة الذي اشتغلوا على موضوع ‘‘ التربية الجنسية ‘‘ محاولا كشف الهوة السحيقة بين مفهومها ‘‘ التراثي ‘‘ و مفهومها العلمي. عن هذه النقطة تحديدا يقول ديالمي ‘‘ إن التربية الجنسية هي أولا معارف علمية. وهذا شيء لم نتمكن منه إلا منذ القرن الثامن عشر، أي منذ أن تحولت البيولوجيا إلى علم، حيث مكنت من معرفة الأعضاء التناسلية بشكل دقيق، ومن معرفة مسلسل الإخصاب، ثم من معرفة آليات الإثارة والقذف... ومكنت بالخصوص من التمييز بين الرجل والمرأة كمعطيين بيولوجيين مختلفين ومتمايزين، وفي ذلك قطيعة نهائية مع اعتبار المرأة رجلا ناقصا أو رجلا مقلوبا (موجها نحو الداخل). ومن ثم لا مجال للحديث عن التربية الجنسية قبل القرن الثامن عشر (على الأقل) ‘‘. قبل أن يشير إلى خطر اختزال التربية الجنسية في مفهومها التقليداني الذي تصوره في ثلاثة أبعاد: خطر اختزال التربية الجنسية في تعلم تقنيات ممارسة الجنس، خطر الخلط بين التنشئة الاجتماعية والتربية الجنسية، خطر الخلط بين آداب النكاح وعلم "الباه" من جهة وبين التربية الجنسية من جهة أخرى. ويلخص ديالمي هذا التهافت الجنسي الخطير قائلا ‘‘ التنشئة هي التي تبني الرجل كدور فاعل وتبني المرأة كدور مفعول به في كل حقول الممارسة الاجتماعية ‘‘، و هذا مخالف للتربية الجنسية السليمة.