اصطفت أسرة القضاء وأساتذة القانون جنبا إلى جنب مع أصحاب مهنة المتاعب بمراكش، فوحدوا جهودهم ومجهوداتهم على امتداد يومي الجمعة والسبت المنصرمين، لتشريح وتحليل وضعية الإعلام في علاقته الجدلية مع النصوص القانونية من جهة والعمل القضائي من جهة ثانية. مجموعة الأبحاث والدراسات الجنائية والحكامة الأمنية، الودادية الحسنية للقضاة بجهة مراكش والفرع الجهوي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية وكذا المركز الوطني للمصاحبة القانونية وحقوق الإنسان، هيئات وازنة اجتمعت حول بساط ندوة علمية وطنية تحت سقف الحرم الجامعي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وتناولت بالدرس والتحليل موضوع «الإعلام بين النص القانوني والعمل القضائي»، فجاء اللقاء في شكل عرس علمي اجتذب شهية جمهور كبير من المختصين والطلبة الذين واكبوا فقرات الندوة باهتمام وشغف كبيرين. محور النقاش ارتكز على أحد أهم الإشكالات التي ظلت ولازالت تقض مضجع مهنة الصحافة والصحفيين، والمتمثلة أساسا في العلاقة الجدلية بين الحق في الحصول على المعلومة وإشاعة الخبر والالتزام بالضوابط القانونية المنظمة للمهنة، وتدخل القضاء في تصويب البوصلة وإعادة الاعتبار للشرعية. جدلية شغلت حسب الأستاذ عبد الحق نعام رئيس المكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بمراكش، «رجال القضاء والقانون والإعلام والسياسة على حد سواء، لارتباطها بحق كوني من الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات»، ما يفسر كم الأسئلة المستفزة التي أفرزتها وتفرزها القضية، خصوصا وأن التجارب أثبتت وفق رئيس الودادية «أن المقاربة العقابية تبقى غير ناجعة بل تزيد الأمر تشنجا وتوترا في ظل غياب الانفتاح والتواصل الدائم والمستمر المبني على احترام الرأي والرأي الآخر، لما يوفره من فرص الوقوف على إكراهات وانشغالات كل طرف والتزاماته المهنية». كان واضحا من خلال مسارات الندوة التي توزعت أشغالها بين رحاب كلية الحقوق ونادي الأعمال الاجتماعية لوزارة العدل، أن النقاشات والنتائج قد انتهت إلى نقطة تلاقي أجمعت في مضامينها على ضرورة «توازن وتكامل القضاء والإعلام كركيزتين لدولة الحق والقانون والمجتمع الديمقراطي لما يرمزان إليه من عدالة وحرية، وهو أسمى ما تقدمه الدول الراقية المتحضرة لمواطنيها». ولأن المناسبة شرط كما يقول المناطقة، فقد كانت أشغال الملتقى فرصة لتكريم بعض الوجوه الإعلامية بمراكش التي حملت على عاتقها التأسيس لفعل صحافي، يقوم على قيم النزاهة والمصداقية والالتزام بأخلاقيات المهنة، حيث وقع اختيار المنظمين على تكريم الأستاذ محمد العمراني أمين كشخصية إعلامية التزمت الخط التنويري والحداثي ودبجت الكثير من المواقف والتغطيات بجريدة البيان، إلى جانب الأستاذ عبد السلام الجبلي الذي زاوج بين العمل الأكاديمي والحقوقي كأستاذ بكلية الحقوق وبين العمل الصحافي الملتزم بجريدة أنوال. باكورة الملتقى تمثلت في إبرام اتفافية شراكة بين كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، التي يتربع على دفة قيادتها الدكتور العميد يوسف البحيري، وبين الفرع الجهوي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، ترسيخا لتقليد التواصل ولانفتاح وتضافر الجهود بين صرح جامعي وعلمي من عيار كلية الحقوق وأرباب مهنة المتاعب. وقد تكللت أشغال الملتقى الذي عرف مشاركة العديد من الأسماء الوازنة من أسرة القضاء وأساتذة القانون من أهل الاختصاص بإصدار توصيات أريد لها أن تكون خارطة طريق للنهوض بالعمل الإعلامي وضمان استقلاليته ونزاهته، في موازاة مع قضاء عادل يحفظ حقوق الأطراف ويمكن من تقويم اعوجاج أي سلوك قد يكون خارج سياق دولة الحق والقانون التي تكفل حقوق الجماعات والأفراد على حد سواء. ارتكزت التوصيات على ضرورة الرقي بالعمل الصحفي من خلال توفر الخبرة والكفاءة والمهنية اللازمة، مع توخي قدر من الموضعية كشرط للولوج لمهنة الصحافة، وأن حرية الإعلام لا يجب أن تخضع إلا للقيود المنصوص عليها في القانون، والمتعلقة بحماية السر المهني وعدم انتهاك الحياة الخاصة وعدم المساس بالأمن العام واستقلالية السلطة القضائية. وقد أشارت التوصيات كذلك في إحدى فقراتها، إلى ضرورة إحداث تخصص قضائي داخل المحاكم خاصة الكبرى منها في قضايا الصحافة والنشر، وتكوين القضاة في المجال الإعلامي وتكوين الصحفيين في مجال الشأن القانوني والقضائي، مع التوصية كذلك بإحداث منصب قاضي التواصل للتنسيق مع الإعلام فيما يخص منح المعلومة القضائية. إسماعيل احريملة/تصوير: عبد النبي الوراق