شروع الهيئة القضائية باستئنافية مراكش بفتح أبواب المحاكمة والمساءلة القانونية في حق بعض الوجوه الانتخابية التي ظلت جاثمة بكلكلها على مجالات التدبير العام بالمدينة الحمراء، ومحاصرتها بتهم ثقيلة من عيار «تبديد أموال عامة، والحصول على منفعة من مؤسسة عمومية يتولى تسييرها»، ستكشف عن حجم التواطؤات المعتملة بدواليب المجلس الجماعي وطبيعة السياسات المتبعة في مواجهة هذا الكم من الملفات والقضايا. فقد سجل المتتبعون باستغراب كبير غياب «الضحية الرئيسي» عن مجريات هذه المحاكمات التي تعدد فيها المتهمون بتعدد الملفات والقضايا وظل الضحية واحدا، ومع ذلك فضل الانزواء بعيدا والنأي بنفسه عن تفاصيلها ودقائقها. فالمجلس الجماعي الذي شكل منطقة الإستهداف وفق بنود المتابعات، وكانت أمواله ومصالحه في «مهب الضياع والاستنزاف» وفق ما أبانت عنه محاضر النيابة العامة، سيشيح بوجهه عن حضور جلسات المحاكمات، وينهج سياسة «الكرسي الفارغ»، بالرغم من كم الخسائر وحجم الاستنزاف، وبالتالي عدم تنصيب نفسه طرفا مدنيا في الدعاوى المطروحة. وقائع وحقائق سجلت على عهد مرحلتي التسيير السابقة (زمن قيادة الجرار) والحالية (قيادة المصباح) حين فضلت فاطمة الزهراء المنصوري والعربي بلقايد على التوالي نهج سياسة «كم حاجة قضيناها بتركها» بالتعامل مع القضايا المتداولة أمام المحاكم، ومن ثمة الدفع بتغييب ممثل المجلس الجماعي عن حضور هذه القضايا المتتداولة أمام غرفتي الجنايات الابتدائية والاستئنافية باستئنافية المدينة. مسلسل الملفات الفضائحية التي يتربع على قائمتها ملف «الإكراميات» وقضية «تفويت كازينو السعدي» إلى جانب ملف «اختلاسات المداخيل المالية لسوق الجملة للخضر» وفضيحة «بناء ذات السوق» و«سيتي وان» ، ووضعت العديد من المسؤولين المنتخبين في أثون المحاكمات يتقدمهم العمدة الأسبق للمدينة، الدستوري عمر الجزولي، ونائبه الأول عبد الله رفوش الملقب ب«ولد لعروسية»، والمستشار البرلماني الاستقلالي عبد اللطيف أبدوح، والمنسق الجهوي لحزب التجمع الوطني للأحرار بمراكش عبد العزيز البنين، بالإضافة إلى حميد الشهواني، النائب الرابع للعمدة السابقة المنصوري،أبانت عن مدى النزيف الذي تعرضت له أموال الجماعة والذي يعد بعشرات المليارات من السنتيمات. فالمفتشية العامة للإدارة الترابية، التابعة لوزارة الداخلية، حددت حجم النزيف في ملف «كازينو السعدي» وحده ب«أكثر من 46 مليار سنتيم ضاعت في تفويت مجلس بلدية المنارة جليز، الذي كان يترأسه أبدوح بين سنتي 1997 و2003، لأملاك جماعية لفائدة مؤسسات فندقية وخواص بأثمنة بخسة وفي أجواء غابت فيها الشفافية». في ظل كل هذا الاستنزاف وبعد أن انطلق قطار المحاكمة في حق المعنيين سيفاجأ الجميع بالمواقف السلبية التي أبان عنها مسؤولو المجلس الجماعي إن على عهد العمدة السابقة أو العمدة الحالي، بعدم تنصيب المجلس كطرف مدني في الدعوى والمطالبة بالحجز على أملاك المتهمين احتياطيا لحين صدور الإحكام النهائية، وفق ما تفرضه أدبيات الحرص الحكامة ومبادئ النزاهة والتخليق. العمدة البامية ظلت تبرر الموقف ب«انتظار صدور حكم غرفة الجنايات الابتدائية ليبنى على الشيء مقتضاه، مع الدفع القاعدة قانونية «الجنائي يعقل المدني»، أي أن يكون للحكم الجنائى الصادر عن المحكمة الجنائية، بالبراءة أو بالإدانة، قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم المدنية». بنفس الذريعة سيتذرع العربي بلقايد العمدة الحالي حين أكد خلال ندوة صحفية بأنه «لن يرفع أية دعاوى قضائية للحجز التحفظي على ممتلكات المدانين في الملف المعروف ب«كازينو السعدي» بتهم تتعلق بتبديد أموال عمومية، وغيره من ملفات الفساد المالي المعروضة على القضاء، مع الذهاب في التبرير إلى حدود القول بأن هذه الملفات لم تصدر فيها بعد أية أحكام قضائية نهائية، وأن من شأن رفع هذه الدعاوى أن يُفهم بأنه تصفية حسابات سياسية مع المنتخبين المتابعين. مواقف ومبررات لا تستقيم ومنطق الحفاظ على أموال الجماعة، حيث يجمع العارفون بالخبايا القانونية المؤطرة لهذا النوع من الملفات والقضايا على أن تنصيب المجلس طرفا مدنيا ورفع دعوى قضائية للحجز التحفظي على ممتلكات المتابعين في هذه الملفات، لايعدو كونه إجراء تحفظيا، يمنع تفويت ممتلكاتهم لأفراد من عائلاتهم أو بيعها قبل صدور الأحكام النهائية، مع التأكيد على أنه إجراء لا يمكنه بأي حال أن يؤثر على استقلالية القضاء ولا على مسار المحاكمة، كما أنه لا يكلف خزينة الجماعة سوى 100 درهم كرسوم قضائية، فيما ستبلغ التكلفة ملايين الدراهم حال انتظار صدور الإحكام والرغبة في رفع دعاوى مدنية مستقلة، وهو ما يمكن أن ينتج عنه فتح أبواب المساءلة القانونية في حق الرئاسة نفسها لتفريطها في حقوق الجماعة المؤتمنة عليها. إسماعيل احريملة