«أتذكر أن الحي الجوي في السبيعينيات والثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي أقرب ما يكون إلى الجنة !! كان الحي الوحيد في منطقة الدارالبيضاء الذي توفر على بنيته التحتية الخاصة ومن مستوى عالي وجودة خاصة... الحي الوحيد الذي توفر على نظام فصل خاص للمياه العادمة التي تعالج يوميا... الحي الوحيد الذي توفر على توصيلات التلفون والكهرباء... والحي الأول الذي وضع فيه تصميم منطقة للفيلات. اليوم للأسف كل شيء يتردى». التصريح المعبر كان أول ما استكشفته الأحداث المغربية وهي تزور الحي الجوي بالنواصر غير بعيد عن الدارالبيضاء. التصريح لواحد من أقدم سكان المكان، مهندس دولة سابق في الهندسة المعمارية وإطار سابق في وزارة التجهيز والنقل. طارق وكريمة من أبناء الحي الجوي «زيادة وخلوق» كما يقول المغاربة في دارجهم اليومي. كانا في انتظار الأحداث المغربية وهي تحل بالمكان. بهم محموم وتوجس باد حول المستقبل غير الواضح للمكان الذين اقتسموا فيه وجدانهم منذ الطفولة والصبا، تحدثا إلينا بالحماس والصور والوثائق، ناقلين تخوف 6000 ساكن من التحولات الأخيرة في محيط الحي، والتي حولته إلى بؤرة خطيرة. محيط صعب ومعادي التحولات التي تحدث عنها طارق وكريمة تجد سببها الأول في نقل السلطة المحلية لكاريان القشلة، وتقريبه من الحي الجوي بالنواصر، في إطار محاربة السكن غير اللائق بالمنطقة. «إجراء لا يمكن سوى الثناء عليه في إطار تحسين الظروف المعيشية للمغاربة وخلق مناطق سكن كريمة ... غير أنه قد يصبح خطير إذا ما حمل معه انحرافات ومآسي القادمين من الكاريان» يقول طارق، الذي عدد للجريدة حالات الاعتداء الجسدي، وبمصاحبة السلاح الأبيض على سكان الحي الجوي، التي تواترت في الأشهر القليلة الماضية بشكل غير مسبوق. في نفس السياق دائما، وعوض أن يحافظ الحي الجوي على خصوصياته في الجمال والهدوء، أصبح موقعه الملامس لنفوذ ثلاثة عمالات وأقاليم، أمرا يحفه بالمخاطر من كل جانب. إذ أنه بالإضافة إلى وقوعه ضمن النفوذ الترابي لعمالة النواصر، يتواجد على بعد أمتار أيضا من عمالة إقليم مديونة، وكذلك غير بعيد عن منطقة الدروة التي تتبع أمنيا وإداريا لعمالة برشيد – سطات. التباس أمني وقانوني «شجع عددا من تجار المخدرات على اتخاذ الحي الجوي ملجأ في زمن الحملات الأمنية التي تباشرها المصالح الأمنية، سريات الدرك الملكي بالخصوص، للافلات من الاعتقال، إذ يكفي تجاوز الطريق الوطنية رقم 9 من الاتجاهين، للتحول من نفوذ ترابي إلى آخر» يؤكد طارق للأحداث المغربية، مبرزا العديد من الحالات التي يشهد عليها سكان الحي في هذا الإطار. التسللات الخطيرة التي يصبح الحي الجوي هدفا لها لا تتوقف عند الاختباء أو التحايل على المصالح الأمنية بحكم التماس الذي يشكل طبيعة المكان. الاعتداءات التي تستهدف سكان الحي تصل في أحيان كثيرة إلى السلامة الجسدية لساكنيه. في هذا الصدد يضيف طارق « أصبحنا هدفا لمجرمين قادمين من خارج الحي لكن ليس من بعيد. الشكل الذي نعيش فيه ونوعية المنطقة التي هي عبارة عن منطقة فيلات، تشجعهم على اعتراض السبيل ظنا بأننا نعيش في مستوى أحسن وبالتالي فإن استهدافنا قد يشكل لهم فرصة للظفر بشيء ما». أمن المطار ولأن الحي الجوي يزخر بالأطر ذات المستويات العلمية والأكاديمية المتقدمة، خصوصا في مجال الملاحة الجوية وأمن المطارات، فإن الأحداث المغربية استقت شهادات المتخصصين من سكان الحي، حول الوضعية الخاصة للحي. أحد الأطر السابقة بمديرية المطارات وسلامة المطار، أبرز للأحداث المغربية بأن الغرض الأساس من الحفاظ على خصوصيات الحي هو ضمان أمن السلامة الجوية أولا للمطار، وبالتالي فإن أهم ما يجب المحافظة عليه هو البنيان المنخفض العلو، وهو أمر تدركه جيدا سلطات المطار المعنية بسلامة الملاحة الجوية، مع تزايد الأخطار التي تهددها، وعلى رأسها الإرهاب. وهو ما يعني بأن تغيير شكل الحي الجوي أو تشجيع نوع آخر من البينان عليه، يؤثر مباشرة في صميم الأمن الداخلي للبلاد. في هذا المجال، يسرد المصدر ذاته حادثة طريفة لكنها معبرة، حين اصطدم خنزير بري هارب من غابة بوسكورة بزجاج سيارة كانت بداخلها مسافرة أمريكية في طريقها إلى المطار، إبان حرب الخليج الأولى. الحادث كان من الممكن تأويله في سياق آخر لولا أن الحقيقة كانت بادية للعيان، ولكنها تظهر مدى حساسية المكان وتأثيره في علاقة المغرب بالدول والسياح الأجانب. إلى ذلك، يضيف المسؤول السابق، تم إصدار قرار أمني قبل عقود يقضي بأن يحافظ الحي الجوي الذي لا يبتعد عن المطار سوى بكيلومترات قليلة، على شكله المعماري، وأن لا يسمح فيه، أو في محيطه بتعشيش أحياء أو مناطق سكنية غير مندمجة، كما حدث بتحويل سكان كاريان ما يعرف بالقشلة وتقريبهم كثيرا من الحي الجوي. حساسية الحي الجوي تظهر أيضا من خلال نوعية السكان المنتقاة داخله. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، حيث أصبح المكان برمته في حوزة الأملاك المخزنية بعد أن كان ثكنة عسكرية أمريكية، تم تخصيص السكن فقط للمراقبين الجويين ومستخدمي المطار ورجال الدرك والشرطة : أي نوعية متميزة للسكان تعرف بالضبط ماذا تعني خصوصيات الحي، يختم نفس المصدر. أزمة السوق الخيط الرفيع الذي يجسد معاناة سكان الحي الجوي تتعلق اليوم بما يعرف بأزمة السوق. مشروع إنشاء سوق تقليدي، عبارة عن 97 حانوت بتكلفة تقدر ب750 مليون سنتيم على مساحة أرضية محاذية للحي تبلغ 3346 متر مربع. الأزمة كما يعرفها السكان الذين تشكلوا في جمعية مضادة، تكمن في أن المشروع أولا سيقضي على خصوصيات الحي، سواء المتعلقة بالأمن أو بالشكل المعماري. حجة سكان الحي الرافدين ترتبط أولا بصعوبة التطبيق الفعلي لمشروع هذا السوق، إذ أن تصميما مماثلا يعود إلى سنة 2003، يعرف محليا بمشروع الزاوية، لم يراوح مكانه منذ الإنشاء، وتحول إلى أطلال لا تشجع سوى الجريمة واختباء المبحوث عنهم. مشروع الزاوية، موقوف التنفيذ والذي يضم أزيد من 30 حانوت، شهد قبل مدة قصيرة اغتصاب سيدة متزوجة على يد عصابة قادمة من منطقة الدروة القريبة !! تقنيا تبدو اعتراضات السكان المحليين منطقية. ففي الوقت الذي لا يتعدى علو البنيان في الحي الجوي وكما تنص على ذلك قوانين المعمار منذ إنشائه مطلع سبيعينيات القرن الماضي، 6 أمتار ونصف، نظرا لموقعه الحساس والقريب من المطار الدولي ومطار النواصر، قرر المجلس البلدي إقامة السوق على علو يقترب من 10 أمتار، وهو ما سيعني بالضرورة حجب أشعة الشمس على الفيلات المقابلة للسوق.« هناك نساء مسنات وشيوخ تعودوا على هذه الأشعة الضرورية للحياة وإنشاء سوق الحوانيت بطريقته الحالية سيحرمهم من هذا الامتياز الحيوي» يؤكد طارق. «غياب التواصل بين السكان ومنتخبيهم ساهم في تأزيم الوضع» يضيف أحد السكان الرافضين للمشروع، «إذ أن الطريقة التي وضع بها تبين إلى أي حد لا يهتم المنتخبون بخصوصيات الحي الجوي، الذي للأسف، كبروا وترعرعوا فيه». وهو ما يحيل إلى أفق مسدود للمشروع على غرار مشروع الزاوية الذي تحول إلى أطلال ولم يستفد منه أحد. أمام غياب محاور / مستمع، نظم سكان الحي الجوي ست وقفات احتجاجية للمطالبة بتغيير شكل السوق أولا، والإشارة إلى المشاكل التي قد يخلقها في محيطه. آخر هذه الوقفات نظمت الثلاثاء الماضي بمشاركة تمثيلية ضمن كل فئات الحي، من أطر عليا سابقة وحالية وموظفين أمنيين وأبنائهم. بالمقابل، اقترح السكان على المجلس المحلي تصميما آخرا للسوق، غير التصميم الذي وضعه المجلس البلدي. الأحداث المغربية تتوفر على نسخة من تصميم الاقتراح الذي وصفه السكان « بالحضاري الذي يراعي خصوصيات الحي الجوي والذي سيخلق إضافة جمالية وقيمية على المكان، بالإضافة إلى الحرص على أن تتولى مسؤوليته الأمنية شركة متخصصة، مع مراعاة توقيت الفتح والإقفال». المشاورات مازالت مستمرة حول الصيغة الجديدة للسوق. وللموضوع بقية.