الثقافة غادي يولي عندها شأن في برامج القناة الثانية، اختفت تماما من الخريطة، ولم يعد لها مكان تحت الشمس. الأولوية أمست في المقام الأول لبرامج تلفزيون الواقع، ولبرامج تدر مداخيل إشهارية على القناة. وأي برنامج يحتمل ألا يحقق نسب مشاهدة عالية، يكون مصيره إما الموت في المهد، وإما الرمي إلى آخر الليل حيث يكون الناس نياما. فجأة وبعد سبات شتوي وصيفي طويل استقر ما لا يقل عن ثلاث سنوات، تذكر القائمون على أمر القناة أن ثمة شيئا اسمه الثقافة، وقرروا إطلاق برنامجين ثقافيين دفعة واحدة، الأول «الناقد» لأحمد زيد بالعربية، والثاني «ماك كيلتير» لمنصف السخي بالفرنسية. برنامجان سيغطيان نقصا رهيبا في حضور الثقافة بشبكة برامج قناة يقال إنها عمومية، بعدما تعرضت للاغتيال، وجرى قتل جميع برامجها على قلتها، وفي الأخير اختزلت اختزالا مشوها، وباتت مجسدة بفقرتين ثقافيتين للمواعد تابعتين لمديرية الأخبار، واحدة تبث كل ثلاثاء بالعربية بنشرة المسائية، تقدمها بشرى رئيف، و الثانية تبث كل خميس بالنشرة الفرنسية الرئيسية، وتقدمها سامية الحارسي. وعلى ما يبدو، فإن عودة البرامج الثقافية إلى شاشة قناة عين السبع، لن تكون عودة كاملة، بل سيطبعها الاحتشام، إذ لن تتجاوز مدة كل برنامج من سبع إلى عشر دقائق، وهو ما يجعلها أقرب إلى كبسولات ثقافية خفيفة من مادة ثقافية تتطلب وقتا أكبر للتحليل وخلق النقاش. كل المتتبعين للشأن الثقافي يجمعون على شيء واحد أن المغرب يعاني أزمة مزمنة في القراءة. إشكال لم يكن أبدا أولوية ضمن أولويات السياسية التعليمية والثقافية على مدى سنوات، ولم يستثمر التلفزيون كوسيط إعلامي أن يكون مهمازا يوقظ لدى المشاهد الوعي بأهمية القراءة، وضرورة اقتناء الكتاب. برنامج «الناقد» لمقدمه ومعده أحمد زيد، يقوم تصوره على استضافة كتاب وصاحبه لفتح نقاش «ليس بالشكل التقليدي عن طريق أسئلة عائمة ونمطية ، ولكن سيكون منهج الحوار قائما على النقد والتركيز على الكتاب وليس الكاتب، بشكل يبتعد عن الآراء التي تطلق على عواهنها وعن الانطباعات غير المسنودة» يقول أحمد زيد. هل تكفي مدة سبع إلى عشر دقائق لقراءة كتاب قراءة نقدية؟ طبعا يستحيل أن تغوص في أعماق أي كتاب في ظرف زمني قصير، ضيق الوقت قد يتحول إلى عنصر ضغط على طاقم البرنامج، إذا لم يهيء بشكل كاف أسئلته الدقيقة، ويقرأ قراءة حقيقية للعمل المراد إخضاعه لمساءلة نقدية، أحمد زيد على وعي بكل هذه الشروط، ويعتبرها تحديا اختار خوض غماره في أرض تبقى موات بالقناة «هل إذا كان الوقت قصيرا، نتراجع إلى الوراء ونقول لا؟ هم أرادوا أن نقدم برنامجا ثقافيا يكون قصيرا وخفيفا ومايتقلش على الناس. مادامت فتحت أمامنا هذه النافذة، لم لا نحاول استغلالها للتعامل من خلالها مع المغرب القارئ». يضيف أحمد زيد وحتى يكون النجاح حليف برنامجه، فإن أحمد زيد لن يشتغل وحيدا، بل سيستعين بصداقاته في المجال الثقافي سواء داخل المغرب أو خارجه، صداقات يجمعها هم واحد حب الثقافة وعالم الكتاب، ولن يأخذ هذا التعاون أي صبغة رسمية مع القناة. لتعزيز خلاصات قراءته، وحتى تغمس أسئلته داخل صحن الكتاب بدلا من خارجه، لجأ أحمد زيد إلى ذوي الخبرة في شتى حقول العلوم الإنسانية والبحثة، يمدونه بملاحظاتهم وانتقاداتهم إلى الكتاب موضوع الحلقة. لكن سؤالا يطرح نفسه كيف يمكن شد انتباه المشاهد لمتابعة برنامج ذي طبيعة ثقافية، وفي ظرف زمني قصير جدا؟ يجيب أحمد زيد بكل ثقة أنه لن يدخر جهدا في تقديم مادة تلفزية يكون ديدنها إثارة انتباه الناس لمتابعته، وإثارة فضول المشاهد للبحث عن الكتاب، وإذا ما تسنى بلوغ هذا المبتغى، فقد يكون حافزا يدفع المسؤولين على القناة إلى التفكير الجدي لتوسيع مدته الزمنية «نطمع في كرم قناتنا الثانية باش تزيد لينا في وقت البرنامج، والزيادة في مدته تعني بشكل آلي بالنسبة لنا تطويره نحو الأحسن».