خلال التدخل الأمريكي في العراق والذي أطاح بالرئيس صدام حسين، شهدت المدن المغربية تظاهرات رافضة لهذا التدخل ومنددة به. إحدى هذه المظاهرات نظمت في مدينة ورزازات، وكانت الحشود المشاركة كبيرة جابت بعض الشوارع. في اختتام المظاهرة المذكورة أخرج المتظاهرون علم الولاياتالمتحدةالأمريكية وهموا بإحراقه كدلالة على السخط على تلك القوة العسكرية «الإمبريالية التي تتدخل في مصير الشعوب». كان كل شيء جاهزا، العلم ووسيلة إشعال النار، وعيون المتظاهرين شاخصة تنتظر اللهيب يلتهم رمز أكبر دولة في العالم. فجأة، وقبل أن يتم إشعال العلم، امتدت يد من الجانب وخطفته بخفة ودقة فائقتين، وأطلق صاحبها ساقيه للريح بسرعة كبيرة ليدخل إلى دار لكلاوي، قصبة تاوريرت، حيث توجد حراسة أمنية مشددة. تبع بعض المتظاهرين الشاب القوي البنية، لكن لم يلحقوه لأنه كان خطط لفعلته بدقة وعرف أنه سينجو باحتمائه بقصبة تاوريرت. ذاك الشاب ليس سوى مواطن أمريكي كان في ورزازات رفقة طاقم تصوير فيلم سينمائي، ولم يستسغ أن يرى علم بلاده يتعرض للإحراق، فخطط ونفذ وأنقذ رمز بلاده بمغامرة محسوبة بعدما تسلل إلى المظاهرة دون أن ينتبه إليه أحد. مناسبة سرد هذه القصة التي تعود إلى أكثر من خمس عشرة سنة خلت، هي ما أوردته بعض الصحف الإسبانية في الأسبوع الماضي من قيام شبان مغاربة في مليلية المحتلة بتمزيق علم بلدهم طمعا في الحصول على اللجوء في البلد الجار الشمالي. ماهو وجه الشبه بين الواقعتين؟ الشاب الأمريكي غامر بحياته من أجل منع إحراق علم بلاده، ولم يخش العواقب في ما لو سقط في أيدي المتظاهرين الغاضبين. أما الشبان المغاربة المذكورون فدفعتم رغبتهم في «الحريك» إلى أوروبا إلى تمزيق رمز سيادة بلدهم، دون أن يرف لهم جفن. قد يتحجج قائل بأن لا مجال للمقارنة بين بلد يضمن لأبنائه الكرامة والعدالة الإجتماعية والطمأنينة، وبين بلد يعاني فيه مواطنون من مشاكل لا حصر لها. غير أن هذا الكلام لا حظ له من القبول. مهما كانت الظروف فلا شيء يبرر الإساءة إلى الوطن. ليس في الأمر شوفينية، لكن الإنتماء يفرض على المرء التحلي بروح المواطنة، أو على الأقل احترام بلده ومواطني بلده وعدم المساس بالرموز التي تختزل الإنتماء للوطن. ما اقترفه ممزقو العلم المغربي فعل شنيع، في حق أنفسهم وفي حق بلدهم وفي حقنا كمغاربة. لا أريد هنا أن أتطرق إلى الأسباب التي دفعتهم إلى ما قاموا به، لأنه لا تبرير لتمزيق العلم على الإطلاق. قد يكونون محبطين ومحرومين وبؤساء، لكن ليس من حقهم الإساءة إلى علم بلادهم لأن في فعلهم ذاك نذالة لا غير. حب الوطن واحترام رموزه، ومنها العلم الوطني، لا يعني إخفاء ما قد يكون في البلد من ظلم وفساد داخل الإدارة وداخل المجتمع. لكن الإساءة للوطن تحمل كل النعوت المشينة التي قد يتصف بها المرء. لقد أكبرت في ذاك الأمريكي حبه للوطن، وهو نفس الإحساس الذي قوبل به سلوكه، من مجموعة من الذين حضروا واقعة مظاهرة ورزازات، لأن الرجل عبر بطريقته عن حب وطنه وهو يختطف علم بلاده من أيادي كانت تحاول إحراقه. لكنني امتعضت من فعل شبان بلدي الذين لم يعوا ربما ما أقدموا عليه وهم يسيؤون لبلدهم. بلدهم الرمز والإنتماء وليس لشكل تدبير قضاياهم التي قد يكون فيها ما يسيء لكرامة الإنسان. إن الذي يحمل غيرة على قيم المواطنة والذي ينشد العدالة الإجتماعية يجب أن يواجه مظاهر الظلم بمواجهة القائمين عليه، لا بتمزيق العلم وتمريغ سمعة البلد في الوحل. والأكيد أن الآخر سيحتقر المسيئين لعلم بلادهم بالقدر الذي أكبر فيه البعض سلوك الشاب الأمريكي...