واضح أن عبد الاله بنكيران ماض في إدخال تغيير جوهري على أسلوب تواصل رئيس الحكومة مع الرأي العام. وواضح أيضا أنه لا يبدي تكلفا كبيرا لكي يبصمه ببصمته الخاصة. والحق أنه أدخل الكثير من الحيوية على الخطاب السياسي لرئيس الحكومة؛ في البرلمان يستطيع أن يشد إليه الانتباه، وأن يجعل عامة الناس يقبلون على الاستماع إليه، ويفهمون مضمون أقواله، ومع وسائل الاعلام لا يتردد في استغلال قنواتها لإرسال أفكاره ومواقفه للجمهور. لقد دشن سلوكا محمودا عندما خص التلفزة المغربية بأول حوار سياسي بعد تعيينه من طرف جلالة الملك، وعندما توجه للصحافة المغربية مباشرة بعد اجتماع الحكومة وأجاب على أسئلة ممثليها، وعندما لا ينزعج من مكالمات الصحف التي تتصل به، والجواب على أسئلتها، وعندما يبادر للاتصال بصحفيين لتوضيح معلومات بدت له ناقصة أو مجانبة للصواب...ولم يسجل عليه، إلى حد الآن، أنه تدخل في عمل صحيفة من الصحف للتأثير على خطها التحريري. لا شك أن هذا الأسلوب في مخاطبة الشعب المغربي عبر مؤسساته، واختيار الحوار مع الرأي العام عبر القنوات الإعلامية المغربية، سوف يجعل رئيس الحكومة قريبا من المواطن، ومن شأنه أن يضفي على شخصيته كارزمية كانت مفقودة لدى العديد ممن سبقوه على رأس الحكومة، كما من شأنه أن يساهم في تغذية الاهتمام بالشأن السياسي. لكن هذا السلوك التواصلي يجب أن يكون ترجمة حقيقية للممارسة والسلوك الديمقراطيين، ونابعا من الحرص على حرية النقاش السياسي وحيويته، وتجسيدا لاحترام الحق في الاختلاف، حتى لا يتحول إلى ديماغوجية وشعبوية مؤديتين إلى الفاشية والاستبداد. ونعلم جميعا أن كبار الفاشيين والديكتاتوريين كانوا يتقنون فن التواصل مع الجماهير، ويتوفرون على كارزمية وظفوها للاستحواذ على الحكم، ولاستعباد شعوبهم. هناك حقيقة أخرى يكون من المفيد استحضارها باستمرار، وهي أن فعالية هذا السلوك التواصلي ليست مطلقة. إنها رهينة بقدرة رئيس الحكومة على ترجمة مضمون خطابه إلى أفعال واضحة يلمسها المواطن، أما إذا عول على قدراته التواصلية فقط، وعجز عن ترجمة مضامين برنامجه على أرض الواقع الملموس، فإن هذه القدرات التواصلية لن تنفعه إذا طمع في الحفاظ على شعبيته، بل قد تكون وبالا على مصداقيته، ولن تحول دون انقلاب الرأي العام ضده.