يجهل الكثير من الناس ماهية التوحد، مما يعيق اكتشاف هذا المرض في بدايته، وبالتالي التأخر عن اخضاع الطفل للعلاج المناسب. فيما يلي بعض الخطوات العملية التي يقدمها الدكتور يوسف الحماوي، من أجل اكتشاف مرض الطفل المتوحد، مع توضيح دور المحيطين في المساعدة على تحسين حالته الصحية. كما يضع الدكتور بعض التحذيرات بخصوص السلوكات التي من شأنها دفع الطفل نحو العزلة، والسلوكات العدوانية. *اكتشفي إصابة ابنك بالتوحد التوحد من الأمراض المزمنة التي تظهر في الصغر، ويمكن للأم أن تلاحظ أن سلوك ابنها لا يشبه باقي الأطفال، حيث يميل إلى العزلة، ولا يحب أن يقترب منه أي شخص، حيث تؤدي محاولات الآخرين للاحتكاك به، إلى ردود أفعال عنيفة، تكون على شكل انفعالات وقلق. وعلى عكس الأطفال العاديين الذين يحبون المشاركة، والالعاب الجماعية، نجد أن الطفل المتوحد وانطلاقا من التسمية التي تطلق عليه، لا يحب مشاركة ألعابه مع الآخرين، ليميل إلى الوحدة، وعيش عالمه الداخلي، الذي تؤثته مهارات وقدرات خاصة، تستطيع اثارة الانتباه، مثل الرسم، أو الحساب، وهي ممارسات تدفع للاعتقاد أن هناك أشياء معينة تلتقطها ذاكرة هذا الطفل. لكن ممارسة هذه المهارات يمكن أن تتخللها نوبات عصبية إذا حاول المحيطون اقتحام العالم الخاص للطفل المتوحد، وهنا تكمن خطورة تواجد هذا الطفل في محيط لا يفهم حالته، مثل تواجده مع اطفال من سنه يحاولون مشاركته أغراضه، مما يزيد من حدة طباعه، كما أن عزلته وعدم انتباهه داخل المدرسة من الممكن أن يعتبر نوعا من اللامبالاة التي تؤثر على مستوى استوعابه للأمور بالمقارنة مع الأطفال العاديين، وهي مقارنة مجحفة في حق الطفل المتوحد الذي يلزمه تعامل، وتتبع خاص يجهله الأستاذ العادي. كما تجب الإشارة أن هناك بعض الحالات التي يتأخر فيها نمو الطفل المتوحد. * حذاري من اقتراب الغرباء الطفل المتوحد يفضل الابتعاد عن الآخر بصفة عامة، لكنه يبدي نوعا من المرونة مع بعض الاشخاص المقربين، مثل الأم التي يسمح لها بالاحتكاك الجسدي المباشر، من قبيل التقبيل، والمعانقة، وهي خطوات غير سهلة بالنسبة للطفل المتوحد الذي يتعامل مع ذاته بطريقة لا تشبه الطفل العادي، لأنه يعيش في عالمه الخاص، مما يجعله يتصور محاولة الاقتراب منه على أنها اعتداء، ويعود هذا الانفعال إلى عدم ادراكه لماهية الأفعال. * دور المحيطين في علاج الطفل المتوحد يجب توعية وتعريف الناس بهذا المرض، خاصة الأشخاص الذين يتعاملون مع المرضى، مثل الأم، والإخوة، أفراد العائلة، وكذا المتتبعين للطفل مثل الأساتذة الذين يلزمهم تكوين خاص، من أجل التعرف على ماهية هذا المرض، والتصرفات التي تصدر عن الطفل، حتى لا يكون هناك نوع من الاستهجان لسلوك الطفل التوحدي الذي يبدو جليا أنه لا يشبه باقي الأطفال، على اعتبار التوحدي يعاني مشكلة مع ذاته، عكس الطفل العادي الذي يبدأ في اكتشاف العالم المحيط به منذ صغره، مع اكتسابه لمهارات متعددة مثل المشي، الأكل، وجوه الناس والعلاقة التي تربطه بهم، سواء كانت علاقة بنوة أو أخوة، أو صداقة... أما الطفل التوحدي فإنه يفتقد لهذه الأشياء، لكونه يعيش في عالمه، لذا تكون أو خطوة في العلاج هي تعريفه بذاته، حتى يتصالح معها، ويتقبل بالتدريج أن يقترب منه باقي الناس، ليشعر بوجودهم، وينفتح على العالم الآخر، ليتمكن من النظر للآخر، واقتسام الأشياء مع المحيطين، ويتعلم كيف يعبر عن نفسه...وهي نتائج لا يمكن الوصول إليها بدون توعية، وتضافر مجموعة من الجهود التي تضم العلاج النفسي، والترويض على الحركة، والترويض على النطق، والاستعانة بمربيين ذوي تكوين خاص. * علاج الطفل المتوحد حكر على المتخصصين الهدف هو تحسين طريقة عيش الطفل التوحدي، من خلال اكسابه بعض المهارات التي تساعده على الاستقلالية، والاعتناء بنفسه حتى تكون حياته سليمة. ليتمكن الطفل التوحدي من الاكتساب، تلزمه خطة علاجية متكاملة، يدخل فيها دور المعالج النفسي، والمروضين، والمربيين، والأسرة، حتى يتمكن من اكتساب قدرات جديدة مثل أي طفل. تتفاوت استجابة الطفل للعلاج حسب درجة حالته المرضية، حيث يكون النتائج بسيطة في الحالات الحادة، أو الحالات التي تم التأخر في الكشف عنها. قد يتأخر الطفل في الاكتساب، لكن مع الوقت، ومع تضافر الجهود تنقص تخوفاته من الانفتاح على الآخر، كما ينمي العلاج استقلاليته، ليبدأ في الاعتناء بنفسه، والدراسة على قدر المستطاع، مع مزاولة بعض الأنشطة التي يميل اليها مثل الرسم. لكن في حالة اهمال الطفل، وعدم الوعي المبكر بحالته، أو المعاملة الخاطئة، يمكن أن تصبح حالة الطفل المتوحد أكثر تعقيدا، ليبقى منغلقا في عالمه، دون اكتساب قدرات جديدة، مما يعني حاجته للآخر، كما تزداد نسبة تعرضه للنوبات الحادة، ليبدأ في الصراخ، وتكسير الأغراض، والبكاء، ومع تطور الحالة يمكن أن تظهر بعض التصرفات مثل الهديان، والتكلم بطرق غير سوية، وهنا نحتاج لاستعمال بعض الأدوية من أجل انقاص حدة هذه التصرفات. * الرعاية السليمة تدفع المتوحد نحو الاستقلالية لا يمكن الحديث عن التوحد بنفس الطريقة، لأن حدة المرض تختلف من شخص لآخر، لذا هناك حالات يمكنها أن تنجح إذا تلقت الرعاية اللازمة، مع دور المربيين و الآباء، والجمعيات في احتواء الحالة في أقرب وقت ممكن، مع العمل على تتبع المسار العلاجي للطفل، لتظهر النتيجة من خلال اكتساب مهارات تساهم في استقلالية الطفل. هناك ايضا العلاج بالأدوية، من أجل تهدئة الطفل. لكن في كثيرمن الحالات يتعذر على الطفل الاستفادة من بعض الامتيازات التي تشكل بيئة مساعدة لتلقي العلاج، مثل وجود أقسام خاصة، لأن وضع الطفل التوحدي في قسم مليء بالأشخاص الذين يجهلون طبيعة حالته، سيدفعه للتخوف من الذهاب للمدرسة، وبالتالي التمسك بعزلته وابتعاده عن الواقع. هنا يبرز دور المعالجين من أجل جرالمريض للواقع، ليكتشفه خطوة خطوة، وهي مسألة غير سهلة، لأن المريض يتخوف من الواقع بحكم مرضه، وتكوينه، وجوانب بيولوجية جينية وراثية، نفسية تجعله يقفل عليه عالمه الخاص. * طبيب نفساني سكينة بنزين