الفنان سعيد المفتاحي، ابن مدينة مكناس البار، زار أخيرا بلده المغرب الذي يقيم خارجه جسدا لا روحا لم تغادر يوما مقامهما الأصلي الذي هو تراب وأرض هذا الوطن الذي يحبه ويثور على ما يجري فيه من ممارسات يعتبرها مسيئة بل ومدمرة لواقع حال الفن والثقافة المغربية.. بغيرة ومحبة لا متناهية، فتح الفنان والباحث سعيد المفتاحي قلبه ل "أحداث.أنفو" التي استفسرته حول الاحتفاء به أخيرا من قبل جميعة أبي رقراق بمدينة سلا، وحول دواعي تغيير واجهة اشتغاله في أوربا من فنية إلى نضالية ومختلف الأسباب التي جعلته يمنح لقب سفير الفنون المغربية بفرنسا.. ولم يغفل "أحداث.أنفو" مساءلة الفنان سعيد المفتاحي، حول الوضع الصحي للفنون المغربية خارج أرض الوطن وكيفية تعامل الفنانين الشباب المغاربة مع مختلف الأنماط التراثية المغربية وتفاصيل أخرى تهم العرض الفني الراقي "زمن الملحون" واستراتيجية وزارة الثقافة في ما يتعلق بدعمها للموسيقى.. * حظيت أخيرا باحتفاء خاص من قبل جمعية أبي رقراق بمدينة سلا حيث منحت هناك لقب الباحث، هل يعني ذلك تجاوزك لمرحلة الولع بفن الملحون إلى البحث فيه؟ ** لا يمكنني أن أتقدم وأكون باحثا أمام عدد من الأسماء الراسخة في هذا المجال على غرار أحمد سهوم وعباس الجيراري، لأن هؤلاء جهابذة يبحثون على مستوى العروض و المستوى التاريخي فيما أبحث في المجال الموسيقي وكيفية تقديم الملحون بلغة أخرى وبصيغة أخرى تناسب المتلقي في الوقت الراهن.. وعندما يصفونني بالباحث فهذا يعود لكون اشتغالي منكب على كيفية تقديم المنتوج الملحوني بلغة أخرى وبصيغة أخرى تناسب المتلقي في الوقت الراهن.. البحث في الفنون التراثية ولا سيما في الملحون، لا يعني البحث الأكاديمي بل يعني نضجا وممارسة تجعلنا نقدم منتوجا متضمنا لتركيبة مختلفة عن القواعد المتعارف عليها، فمفهوم الباحث في المحون أو الأنماط التراثية مختلف، حيث هناك باحث تاريخي وهناك باحث على مستوى بنية القصيدة وهناك باحث على مستوى التركيبة الموسيقية .. * لماذا تغريت واجهة اشتغالك في أوربا من فنية إلى نضالية؟ ** بداية لا بد من توضيح أنه لم يكن في ذهني يوما الهجرة والاستقرار بأوربا، لأنه عندما سافرت كان بهدف إحياء حفل في هولندا بعيدا عن فكرة الإقامة والهجرة، لأنه لا يمكنني العيش في أوربا وأنا أعيش مغربيا في أوربا بزي وبعادتي وبمنزلي والسبب في استقراري المغاربة الذين كانوا سبب إقامتي هناك.. شاءت الأقدار أن أقيم هنا حيث يتعدى الهدف الاستقرار النفسي والمادي إلى تبليغ مجموعة من الفنون والموسيقى المغربية إلى الآخر ولأناس لا يعرفونها ولأبناء الجالية الذين ولدوا في الخارج ويعرفون هذه الموسيقى لكن كما يروج لها الآن بعيدا عن موسيقى الماضي. في أوربا وجدت أرضية خصبة للاشتغال من خلال وجود باحثين لم أكن أعرفهم من قبل في المغرب، ولوجود مراجع قيمة لم أكن أعرفها من ذي قبل في فن الملحون على غرار صونيك الذي خلف مراجع غنية ألفها سنتي و1888 و 1912 و1888، وهي مراجع أصبحت مراجع الباحثين في المغرب.. في فرنسا، علمت لأول مرة أن الفنان الراحل محمد السلاوي سبق له أن غنى الملحون وأن أول عنصر نسوي سجل الملحون في فرنسا وأن أول تسجيل كان هذا الباب بشكل عصري سنة 1922.. في فرنسا علمت بعدد من أشكال فنون القول في وطننا التي لم أعرفها داخل الوطن من خلال المكتبة الوطنية الفرنسية، ومجموعة من المؤسسات الثقافية.. وربما ييكون في الأمر تقصير مني أو من دور وسائل الإعلام القاصر في هذا الباب.. هذه الأرضية هيأتني لأكون إلى جانب آخرين من بين المناضلين من أجل التعريف بالموروث الثفافي والفني خصوصا أن وطننا يعد خزانا لمجموعة من الإيقاعات والأنغام.. لهذا اشتغلت في المجال التراثي لأني وجدت مراجع للاشتغال والمؤسسات التي كانت تطلب مني التعريف بالملحون، وحينها كنت أوضح أن هذا الفن تطرق لكل القضايا الإنسانية بما فيها الميز العنصري والعنف بكل أشكاله.. * هل منحت لقب سفير الفنون المغربية لهاته الاعتبارات؟ ** الحمد لله أعتبر أني توفقت شيئا ما في إيصال الملحون التعريف به هناك دون إغفال المجهود الذي قام به الإعلام الغربي في تقديمي للناس، وهو ما من منحني لقب "السفير" رغم أني أعتبر أن كل المغاربة المقيمين في الخارج هو سفراء لبلدهم، لأنهم يقدمون الثقافة المغربية والمنتوج المغربي والتراث المغربي أينما حلوا وارتحلوا.. واليوم حتى لو أني أعيش خارج أرض الوطن فبالجسد فحسب، لأن القلب يعيش دوما هنا.. عندما لقبني الفرنسيون بلقب سفير الفنون المغربية كان ذلك مبنيا على أسس، ففي الوقت الذي كنت مقيما بين بلجيكاوفرنسا كنت أتلقى اتصالات مهمة من منابر إعلامية مهمة يسألونني عن أسماء فكرية وفنية وثقافية كبيرة على غرار المهدي المنجرة والحوتي مثلا.. كنتا أقدم صورة إيجابية عنها، وهو ما جعلهم يلسمون أن سعيد المفتاحي لا يقدم سوى الجانب المشرق من كل هاته الشخصيات.. لذا سألوني حينما أجروا معي لقاءات سألوني عن السبب، فقلت أني أتحدث عن الجانب المهم من صميم التخصص المهني والفكري لكل الشخصيات التي سئلت بخصوصها بعيدا عن الأمور الذاتية والشخصية الخاصة بكل واحد منها إيمانا مني بأن الاعتزاز بأبناء الوطن هو اعتزاز بالوطن.. * كيف ترى الوضعية الصحية للفنون المغربية خارج أرض الوطن؟ ** لأكون صادقا ولا أتكلم لغة الخشب، أقول أن هناك أزمة حقيقية لأن ما يروجه الإعلام البصري بخصوص فنوننا خارج الوطن بعيدا عن الواقع، لأن وجود المغرب على مستوى الكتب في مكتبات باريس العمومية محدود، والكتاب المغربي غائب إلا من بعض الأسماء المقيمة في فرنسا أو المفرنسة عكس الكتب السورية والعراقية واللبنانية التي نجدها متوفرة بكثرة.. ولا أعلم السبب في ذلك؟ يسمينا البريطانيون والفرنسيون بخزان الإيقاعات والمقامات لأننا نتوفر على مقامات مغربية وأخرى أندلسية، ولدينا خصيوصيات لكنها لا تقدم على مستوى وسائل الإعلام البصري.. عندما يريد الفرنسي مثلا زيارة المغرب لا يهمه الكتبية وساحة جامع الفنا لأنه يعرف ذلك، يهمه المنظومة الثقافية للمغرب التي يتابعها عبر القنوات المغربية التلفزيونية المغربية وهنا يفاجأ أنه لا وجود للمغرب على شاشة هاته القنوات.. في الوقت التي توجد مصر وتركيا والمكسيك وثقافات أخرى، وهنا يجب أن يعيد الإعلامي البصري النظر في تعامله مع الموروث الفني والإبداع المغربي الحالي الذي لا يبث على مستوى الإعلام الوطني.. سابقا في التلفزيون كانت هناك مصلحة للموسيقى ومصلحة للمسرح وجوق للملحون وجوق للموسيقى العصرية، ومصلحة الموسيقى بالإذاعة، والسؤال أين هي هاته المصالح والأجواق حاليا؟ أعتبرها رسالة من المسؤولين على الإعلام البصري يقولون فيها إنه لا غرض لهم بموسيقى وثقافة هذا البلد، والسؤال ما الغاية من الإعلام البصري إن كان غايته تهميش الأخيرة؟ عندما نتابع المهرجانات التي تقام على أرض المغرب، نجد أن 60 في المائة من الضيوف أجانب و40 في المئة مقسمة بين فن دخيل عليناو10 في المئة بين الفن المغربي الحقيقي.. وهنا أقولها بصراحة متناهية، وهو ما أعتبره إساءة للمنتوج والثقافة المغربية، رغم أننا شعب منفتح ولكن ينبغي أن تأخذ المنظمومة الثقافية حقها باختلاف مشاربها..المغرب بلد متسامح ومفتوح على الكل، لكن يبقى السؤال هل الفنان المغربي أخذ حقه أم لا؟ أعتقد أن مجال الإعلام و الميدان الثقافي يستوجبان تدخلا فعليا لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، لأن جلالته عارف بهذا المجال ومحب له ومتذوق رفيع والسؤال المطروح هو كيف يعقل مثلا أن نشارك في سوق الموسيقى في مختلف البدان ويتم تهميشنا من المشاركة فيه في الوقت الذي يقام على أرض المغرب.. شخصيا، لم أشارك في المهرجانات المنظمة من قبل وزارة الثقافة منذ عهد حميش ولم أتلق أية دعوة من قبلها، واشتغلت في "زمن الملحون" بدعوة من صديقي الدكتور عبد المجيد فنيش..أعتقد آن الأوان ليوضح لنا بشكل مباشر عن مغزى كل هاته الممارسات اتجاهنا.. *كيف يتعامل الفنانون الشباب المغاربة مع أنماطنا التراثية؟ ** أحيي كل الشباب المغاربة الذين وظفوا تراث بلدهم في أعمالهم الغنائية ونجحوا فيه، وأضرب مثالا بمجموعتي الراب الناجحتين "آش كاين" و"فناير" التي بذل أعضاؤها مجهوات ذاتية غيرة منهم على ثقافة المغرب وهذا سر نجاحهم.. أضرب مثالا أيضا بمسلسل "بنات لالة بنانة" الذي بفضله روج للمدينة من الناحية السياحية الخارجية، رغم أننا نجد أن قنواتنا تقدم مسلسلات تركية ومكسيسكة تروج من خلالها بشكل غير مباشر لهاته البلدان رغم أننا بحاجة للترويج لبلدنا ورغم أن الأمر يتعلق بتلفزيونات يمولها الشعب المغربي.. * ماهي الأصداء التي خلفتها عروض العمل الفني "زمن الملحون"؟ ** عمل "زمان الملحون" من تأليف وإخراج الدكتور عبد المجيد فنيش والذي قدم على شاشة التلفزيون مقابل مبلغ هزيل وعدد عروض لم يتعد الأربع، رغم أن العمل عرض قبل أزيد من عام و اشتغل فيه طاقم فني وتقني مكون من 40 فنانا مناضلا، رغم أن هذا العمل يعتبر امتدادا لتأثير فن الملحون في مجموعة من الأشكال الموسيقية والمسرحية و وفاء للذاكرة الوطنية.. كما أن العمل يعد امتدادا لتأثير فن الملحون في مجموعة من الأشكال الموسيقية والمسرحية، على غرار فرقة "الوفاء المراكشية" التي قدمت سابقا "سيدي قدور العلمي و"الحراز" للطيب الصديقي.. ما ينقصنا هو الدعم لهذه الأعمال، في الوقت الذي نشاهد أن أناسا عديدون لا علاقة لهم بالإبداع يحملون جميع البطاقات المهنية المتوفرة ولديهم آخر صيحات في السيارات.. * ماهي تفاصيل أجندتك الفنية المستقبلية؟ ** لا بد من التذكير أني أصدرت ستة من الألبومات الفنية التي لم تصدر داخل المغرب، لأن الشركة المنتجة لم تشأ ترويجها بسبب القرصنة، كان آخرها "الغريب" الذي يعرض للبيع على بعض مواقع الأنترنت.. والقرصنة مرض خطير ينخر الجسم الفني بشكل عام، وللأسف أنها أصبحت تشمل حتى الأفكار إضافة إلى الإنتاجات الفنية من خلال طمس كل المرجعيات والمصادر.. وهنا أفتح قوسا حول الدعم وزارة الثقافة للموسيقى المغربية، لأسجل ملاحظة مفادها أن الموسيقى المغربية تتضمن أكثر من 70 نمط، في الوقت الذي تحظى الموسيقى العصرية فقط بدعم الوزارة، وهي مجرد شكل من أشكال الموسيقى المغربية التي تشمل الملحون والأندلسي والكناوي والعيساوي والهيت وغيرها من الأنماط..