بروكسل/13/دجنبر/2015/ومع/ (عادل الزعري الجابري) لا أحد كان ينتظر من محكمة، أوروبية، الوقوع في انحراف بهذا الشكل : حكم صدر بناء على حجج غير متناسقة فيما بينها، وتكهنات لا أساس لها من الصحة، وادعاءات تقدم بها محامون معروفون بعلاقاتهم المشبوهة مع الأوساط المعادية للمغرب. فالقرار الذي أصدرته الغرفة الثامنة لمحكمة العدل الأوروبية (49 صفحة) حول الاتفاق الفلاحي بين المغرب والاتحاد الأوروبي يشكل، بالفعل، نموذجا لمحاكمة غير عادلة تشوبها الأخطاء والتقصير. فمحكمة العدل الأوروبية لم تعتمد على أي من الحجج المقنعة والمحفزة، رغم قوتها، من بين تلك التي قدمتها المفوضية الأوروبية ومجلس الاتحاد الأوروبي، حيث بنت حكمها على عنصر وحيد، والذي هو في الواقع خطأ شكلي، والمتمثل في أن " المجلس لم ينكب على مسألة معرفة ما إذا كان استغلال الموارد الطبيعية للصحراء يتم أم لا لفائدة الساكنة المحلية ". الأسوأ من ذلك، عندما يؤكد القرار على أن البوليساريو لا يتمتع بالصفة القانونية للمثول أمام المحاكم، وأن المحكمة ترفض جميع الوسائل التي تقدم بها هذا الكيان الوهمي ومحاموه الذين يخدمون أجندة الجزائر، واستمراره في نفس الوقت، وبشكل متناقض، في إجرائه الخاطئ بقراره إلغاء الاتفاق، يكون قد وقع في مغالطة بخصوص شرعية القرار القضائي الذي اتخذه. فالقرار يقول " لا شيء في الحجج أو العناصر التي أثارها صاحب الدعوى يثبت وجود قاعدة في القانون الدولي العرفي، تمنع التوقيع على اتفاقية دولية قابلة للتطبيق فوق أرض متنازع بشأنها ". وأمام هذا التراكم من الأخطاء القضائية، لا يمكننا إلا أن نتساءل لماذا قامت المحكمة، التي لا تعترف بأي حق للبوليساريو بتأييد هذا الكيان ¿ كيف تجاهلت المحكمة الحجج التي تمت صياغتها بشكل جيد، والبناءة، والموثقة التي قدمها المجلس والمفوضية الأوروبية ¿ من مؤسف أن نرى أن قرار المحكمة، الذي صدر بناء على مفهوم " لفائدة الساكنة المحلية"، لم يشر إلى الجهوية الموسعة، والنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، وبرنامج التنمية الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس في السادس من نونبر الماضي بالعيون، وأيضا نسبة المشاركة في الصحراء والتي ناهزت 80 في المائة خلال الانتخابات الجهوية والجماعية الأخيرة، ولا حتى الدخل الفردي في هذه الأقاليم والذي يعد الأعلى على المستوى الوطني. حجج كثيرة وواضحة ترفض الحديث عن أي استغلال من أي نوع كان لموارد هذه المنطقة والتي كان من المفترض أن تنير طريق المحكمة وتساعدها على اتخاذ قرار عادل ويطابق الواقع. إن الجواب على هذه الأسئلة المشروعة يجب البحث عنه في تشكيلة الغرفة الثامنة والدفاع. فالهيئة القضائية التي أصدرت هذا الحكم تتكون من اليوناني ديميتريوس غراتياس، بصفته رئيسا، والسويدي كارل ويتر، والبلغارية ماريانا كانشيفا. ونشير هنا، إلى أن القاضيين، السويدي والبلغارية، كانا محاميين ببروكسل، وهو وسط معروف بسهولة اختراقه من قبل اللوبيات. فقد وجد هؤلاء القضاة قضية تشغلهم لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، تمكنهم من تبرير إقامتهم، المكلفة جدا، بدوقية لوكسمبورغ. هذا الثلاثي سيذكر هذا القرار طوال حياتهم، حيث أن عدد القضاة الستة والخمسين بهذه المحكمة الغير مجدية والتي تثقل كاهل دافعي الضرائب، يعيشون نوعا من البطالة المقنعة على مدار السنة، بسبب ندرة القضايا المعروضة عليهم. فالقاضي السويدي كارل ويتر، أحد هؤلاء القضاة الثلاث، أثار بنفسه حالة الخمول التي يعيشها القضاة. ففي تصريح له تناقلته الصحف، تحدث عن "انخفاض مهول" للقضايا المعروضة أمام المحكمة. وينضاف إلى هذا الوضع، طريقة تعيين هؤلاء المحظوظين الذين تم اختيارهم : عملية غامضة يعلو فيها منطق الولاءات السياسية على معيار الكفاءة. النتيجة : قرار لمحكمة أوروبية يضرب في الصميم المصالح الخاصة لأوروبا. أما بخصوص دفاع " صاحب الدعوى "، فتتكون من المحامي الفرنسي جيل ديفيرس، المدافع المستميت عن القضايا التي يجني من ورائها عمولات سخية، والذي بدأ مشواره كممرض بأحد المستشفيات. أما المحامي الثاني "للبوليساريو" في هذه القضية، فهو صديقه الجزائري شمس الدين حافظ. فأمام باب المحكمة، وبعد النطق بالقرار، تعانق جيل ديفيرز وأصدقائه بالأحضان والبهجة تغمر وجوههم، تعبيرا، على ما يبدو، عن انتشائهم بإمكانية المطالبة بعمولة على حساب دافع الضرائب الجزائري المقهور. فقد حان الوقت بالنسبة للمؤسسات الأوروبية (برلمان، مفوضية، مجلس) على ألا تسمح باقتيادها نحو مسالك لا تخدم في شيء مصالح الاتحاد، والتي تضر في نفس الوقت بمصالح البلدان التي تعتبر شركاء استراتيجيين في المنطقة، مثل المغرب، في ظرفية تشهد تنامي مخاطر جديدة تتهدد الجميع. أيضا، على أوروبا أن تركز اليوم على مشاكل مرتبطة بقضية الهجرة، والإرهاب والازدهار الاقتصادي لمواطنيها، وتتصدى لجميع المحاولات الهادفة إلى تحويلها عن أهدافها، وإلى التشويش على تحالفاتها الاستراتيجية مع شركائها الذين يتمتعون بالمصداقية