في أواخر شهر دجنبر من هذه السنة سينعقد المؤتمر 14 لجبهة البوليساريو بالمخيمات، بالضبط بمخيم الداخلة الذي يتم حاليا إعداده و تجهيزه بعد الفيضانات الأخيرة التي أحدثت خسائر كبيرة على مستوى بنية الاستقبال رغم ضعفها، بل و انعدامها، وذلك قصد استقبال المشاركين في هذا الحدث التنظيمي لهذا الإطار الذي يعد بموجب "دستور" الجبهة الإطار المتحكم في المخيمات، و يتم الاستناد عليه لتبرير منع حرية التجمع و التنظيم داخل المخيمات، حيث يعتبر هذا التنظيم المفروض قسرا على سكان المخيمات الجسم التنظيمي الوحيد المتحكم فيهم و في نمط عيشهم، في ظل المنع الذي يطال كل التجمعات التنظيمية التي يراد تأسيسها من خارج الجبهة، هذا المنع الذي يصل في أحيان كثيرة إلى مبرر للتخوين و تعريض أصحابها لمحاكمات صورية، و للاحتجاز التعسفي في أحيان أخرى كما جرى مع رئيس جمعية صمود، الى دفعهم إلى الخروج من المخيمات. 1- سياق انعقاد المؤتمر: على المستوى الداخلي؛ ينعقد هذا المؤتمر في ظل ازدياد حجم المطالب المنادية بإحداث تغيير حقيقي داخل قيادة الجبهة، بسبب عجز هذه الأخيرة على إيجاد مخرج ينهي معانات سكان المخيمات، و يقطع مع الوضع البئيس الذي يوجد فيه قاطني المخيمات، هذه الأصوات انضافت لأصوات أخرى ظلت تناضل رغم القمع الشرس المسلط عليها، من أجل القطع النهائي مع جبهة البوليساريو و قيادتها لايمانهم الراسخ بتحولهما لمجرد اداة تخدم مصالح النظام الجزائري، و قيادة الجبهة التي تعمل من أجل ضمان استمرارها في ترأس هذا التنظيم الشمولي، الستاليني، المفروض بقوة السلاح على سكان المخيمات "كمثال وحيد لهم"، في ظل الحظر الذي يطال كل محاولات تأسيس إطارات بديلة عن الجبهة، أو موازية لها، لذلك وجدت قيادة الجبهة كمخرج لها، و لضمان استمراريتها على رأس هذا التنظيم المشلول، خدمة لأجندة عسكر الجزائر إلى اعتماد لائحة "انتداب مؤتمرين" لاتحدث إلا في ظل النظام الشمولي القائم بكوريا الشمالية، و هي تعيين المشاركين في مؤتمر المسرحية كما سمته العديد من الأصوات المعارضة للجبهة، و لخطها، من بين من تجند مؤخرا في ما يسمى بالجيش الصحراوي، مما يعني أن القاعدة الأساسية للمشاركين في هذا المؤتمر-المسرحية سيكون من المجندين و من العسكريين بالإضافة إلى ممثلين عن القطاعات الموازية للجبهة: اتحاد شبيبة الساقية الحمراء و وادي الذهب، الاتحاد الصحراوي النسائي… مما يعني بأن المؤتمر سيكون مناسبة لإعادة انتخاب محمد عبد العزيز رئيسا له، و رئيسا في نفس الوقت للدولة الصحراوية المزعومة نظرا للتدخل القائم بين "الجسمين"، بالتالي سيرهن مستقبل سكان المخيمات لاربع سنوات أخرى، و سيؤدي للمزيد من حالة الإحباط و اليأس المعشعش في صفوف سكانه خاصة الشباب منه الذي أصبح أكثر استقطابا من التنظيمات الجهادية التكفيرية التي تتحرك بحرية في تخوم المخيمات. المؤتمر ينعقد في سياق دولي و إقليمي متسم بغياب أكثر الأنظمة التي كانت داعمة للجبهة – القذافي مثلا – و انهيارها، و دخول هذه البلدان في حالة فوضى عجل من انحصار دعمها السابق، بل في الحالة الليبية مثلا تغيير موقفها لصالح المغرب، و وحدته الترابية، و في أحيان أخرى دخول أنظمة سياسية في أزمة اقتصادية و مالية كتجلي لحالة الاختناق السياسي و المؤسساتي الذي تعيشه هذه الأنظمة – الجزائر مثلا -، هذا السياق الدولي ينضاف إليه التحول الذي شهدته مواقف العديد من الدول في أمريكا اللاتينية و في إفريقيا بالخصوص الذي عرفت صراعا كبيرا بين الدبلوماسية المغربية المستندة على الحق، و على عدالة قضيتها، و بين دبلوماسية يقودها النظام الجزائري اعتمدت على سياسة الرشاوي، و هو الصراع الذي حسم لصالح المغرب في عدة جوانب و في عدة محطات أممية آخرها قرار مجلس الامن الأخير الصادر في أبريل 2015 الذي أكد على مصداقية الحل السياسي و أعتبر مقدمة لتحول حقيقي في معالجة الملف أمميا، و في اعتماد مقاربة تراعي التطورات الميدانية و الموضوعية و التغييرات السياسية التي شهدها المغرب. 2- شعار المؤتمر كتجلي لأزمة البوليساريو: المؤتمر إذن ينعقد في ظل تحول إقليمي و دولي لصالح المغرب، و لصالح الحل السياسي الذي تقدم به للعالم و لسكان المخيمات، كمخرج إنساني و ديموقراطي يستجيب لمبدأ و روح "تقرير المصير" و يشكل مخرجا حقيقيا للوضع البئيس الذي يعيشه سكان المخيمات الذين تحولوا في السنوات الأخيرة إلى مجرد أداة للإثراء، و الاغتناء الفاحش لجنرالات و عسكر الجزائر، و لقيادة الجبهة، هذا المؤتمر الذي سينعقد تحت شعار " قوة تصميم، و إرادة لفرض الاستقلال و السيادة" و هو الشعار الذي يعكس حالة الأزمة السياسية و التنظيمية التي تعيشها الجبهة في السنوات الأخيرة. -أزمة سياسية: هي أزمة تتجلى من حيث عدم قدرة الجبهة على التعاطي إيجابيا مع المتغيرات التي عرفها الملف خاصة على مستوى المقاربة الجديدة التي أصبحت الأممالمتحدة تنظر بها للنزاع، و هي المقاربة المرتكزة على الحل السياسي، و على الربط بين استمرار النزاع و حالة التهديد الإرهابي المتزايد الذي تعيشه دول جنوب الصحراء، خاصة مع ازدياد حجم التقارير التي تؤكد ارتفاع حالة الاستقطاب من داخل المخيمات للتنظيمات التكفيرية الجهادية، و هي المقاربة التي أصبحت تواجه قيادة الجبهة، التي بدل أن تتعامل بواقعية مع هذا التحول، عمدت إلى الهروب للأمام من خلال رفعها لهذا الشعار التقليدي، و كذا من خلال تصريحات محمد الأمين البوهالي ما يسمى بوزير الدفاع الصحراوي لوكالة الأنباء الجزائرية حيث أكد على "لدينا السلاح و التدريب الكافيين للدخول في مواجهة" و ذلك في "إطار حرب تحرير وطنية واضحة يشهد عليها العالم"، و هو تهديد و تلويح صريح بالعودة للحرب، و هو التلويح الذي تدق طبوله قيادة الجبهة كلما ازداد الخناق عليها سواء من داخل المخيمات أو من خارجها، خاصة و أنه صادر من طرف أحد الأسماء المرشحة مستقبلا لخلافة محمد عبد العزيز في حال غيبه الموت، و المقربة من النظام الجزائري. – أزمة تنظيمية: هذه الازمة تتجلى من خلال مضمون شعار المؤتمر-المسرحية، حيث يهدف الى تغييب اي نقاش حقيقي، ديموقراطي حول أقدم مسؤول في العالم على حركة تقدم نفسها على أنها حركة تحرر وطني، هذا المسؤول -محمد عبد العزيز- منذ تنصيبه على رأس الجبهة بعد اغتيال الوالي السيد و هو يقود الجبهة و إدارة الملف و المفاوضات بتوجيه من عسكر الجزائر، و بعد وصول الملف بالنسبة إليهم إلى الباب المسدود و عدم قدرتهم على تقديم بدائل حقيقية تقنع سكان المخيمات قبل العالم برغبتهم في إنهاء معاناتهم و في التوصل لحل سياسي ينهي مع هذا النزاع المفتعل، و مع سكان المخيمات خاصة لفئة الشباب منهم الذين أصبحوا و بتشجيع من البوليساريو نفسها أداة تتعدى منها التنظيمات المتطرفة، أو يتم إلى مجرد مرتزقة يتم الزج بهم للدفاع عن أنظمة كانت تشكل مورد مالي مهم لقيادة الجبهة و هو ما أثبتت الوقائع مع انهيار نظام القذافي بليبيا حيث اعتقل العشرات من أبناء المخيمات و هم يدافعون عن نظام ليس بنظامهم، و من المؤكد أنه سيتم استعمالهم في أي لحظة يهب فيها الشعب الجزائري لتحرير نفسه من طغيان حكم العسكر ، فلا يعقل أن يقوم النظام الجزائري بتسليح و تنظيم شباب المخيمات مجانا، عليه فشعار المؤتمر و هذا التلويح، يعكس حالة اشتداد اليأس ليس فقط داخل الأجيال المتعاقبة بالمخيمات خاصة الجيل الذي تفتق وعيه السياسي في مرحلة "لا حل"، أي منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار 1991، الذي وجد نفسه محاصرا داخل المخيمات، دون أن يكون له أي دور في المخيمات أو في إيجاد الحل، بل أيضا حالة يأس لدى قطاع واسع من منتسبي الجبهة، خاصة مع فشل الحملة التعبوية التي نظمتها الجبهة تحت مسمى الندوات لسياسية التحضيرية "للمؤتمر" بسبب مقاطعة أغلبية سكان المخيمات لها، لمعرفتهم المسبقة بالكيفية التي يتحكم فيها و في النقاش داخل، كذا في نتائج المؤتمر الذي لن يكون إلا مسرحية فصولها أعدت بعناية داخل دهاليز قيادة عسكر الجزائر الماسك لخيوط التنظيم و لخريطته، التي لن تفرز إلا من ترضى عنه جنرالات الجزائر. هذا المؤتمر الذي سيعين أعضاء الأمانة الوطنية الذين هم في نفس الوقت يتحولون إلى مسؤولين لما يسمى "بالدولة الصحراوية" في ظل تداخل يعكس طبيعة النظام الذي تم بناءه طيلة أربعين سنة داخل المخيمات، و هو نظام يعمل من خلال هذه المؤتمرات-المسرحية إلى تجديد "شرعيته" لإقناع العالم بأحقيته في الحديث باسم سكان المخيمات و لاجئيها، رغم أن تطورات النزاع المفتعل، و تزايد حجم الحراك الشبابي داخل المخيمات الرافض للجبهة و للتحكم في مستقبلهم، يؤكد ألا مشروعية لقيادة الجبهة سواء الحالية أو التي سيتم انتخابها-تعيينها في "المؤتمر" المقبل لإدارة المفاوضات مستقبلا باسم سكان المخيمات لأنها قيادة فاقدة لكل مشروعية ديموقراطية تؤهلها لتكون معبرة عن طموح و مستقبل سكان المخيمات خاصة الشباب منهم.