يتوالى عمل مصالح الأمن المغربية في تفكيك الخلايا الإرهابية، في عمل استباقي يجنب البلاد مجازر، نتمنى أن يقي الله المغرب منها. الأجهزة الأمنية تستحق كل التنويه على هذا العمل الدؤوب الذي تباشره، وعلى اليقظة التي تتمتع بها في مواجهة آفة الإرهاب. غير أن العمل الأمني يبقى، على أهميته، غير كاف أمام ظاهرة الإرهاب التي أخذت منحى مقلقا على المستوى الدولي، وأصبحت تهدد الإنسانية و قيمها السامية . لقد برهنت مصالح الأمن المغربية عن جدارتها في التعامل مع الإرهاب، مما جنب البلاد وقوع عمليات تخريبية لو حدثت لغيرت مسار حياتنا جميعا. فحسب الإحصائيات الرسمية استطاعت الأجهزة الأمنية أن تفكك حوالي 144خلية إرهابية منذ سنة 2002 إلى الآن. هذا الرقم، وبقدر ما يعطي صورة عن عمل أجهزة الأمن، فهو أيضا يعطي فكرة عن التربة الخصبة المتوفرة في البلاد والتي تساعد على إعادة انتاج القابلية للإنخراط في الإجرام الإرهابي. ينضاف إلى هذا ما يتم تداوله من أرقام مخيفة عن المغاربة المنتشرين في مناطق وجود التنظيمات الإرهابية من «داعش» و «نصرة» و«قاعدة» وغيرها. كل هذه المعطيات تعني بأن هذا المجهود الكبير الذي تباشره مصالح الأمن المغربي بأجهزتها المختلفة في حاجة إلى دعم كبير شعبي ومؤسساتي هو الذي سيتصدى لثقافة الموت والتخريب. المقاربة الأمنية ضرورية في مواجهة آفة الإرهاب، غير أنها مقاربة غير كافية لوحدها، بل تحتاج إلى دعم، خصوصا أن الإرهاب يعتمد على جهاز مفاهيمي مرتبط بالمعتقد. محاربة الظاهرة الإرهابية في حاجة إلى ثورة ثقافية حقيقية يجب أن تمس كل المناحي التربوية والتكوينية والعقائدية، وفي اعتقادي هذه الثورة يجب أن تشمل أربع جوانب أساسية. الجانب الأول ويتعلق بالحقل الديني وذلك من خلال القيام بإصلاح شامل يعتمد على التأصيل المرجعي للتدين المغربي ذو الجذور التاريخية المعروفة. صحيح أن المغرب باشر إصلاحات مهمة في هذا الشأن، وهي إصلاحات أصل لها الخطاب الملكي لسنة 2006. غير أن هذا الإصلاح ذو العناوين الكبرى المرجعية يواجه خللا على مستوى بعض التفاصيل خصوصا على مستوى تطبيقه على أرض الواقع. إصلاح الحقل الديني كما يحدده الخطاب الملكي يجد مقاومة في بعض جوانبه على مستوى التطبيق، حيث يواجه في بعض الأحيان تحريفا من قبل بعض المنتمين لهذا الحقل من المتشبعين بالفكر الوهابي أو من أتباع التوجه الإخواني. وقد سبق ل«الأحداث المغربية» أن تطرقت إلى هذا الموضوع، كما سبق لبعض المنتمين للحقل الديني أن نبهوا إلى مسألة الإختراق المذكور، على رأسهم مندوب وزارة الشؤون الإسلامية لطنجة السيد محمد لمرابط الذي جاءت استقالته تنديدا بوجود جهات تعرقل الإصلاح المبتغى. الجانب الثاني يتعلق بقطاع التعليم والذي لا يساير التوجه الرسمي المغربي في ترسيخ قيم التسامح والتعايش، هاتين القيمتين اللتين دأب المغرب على اعتمادها في علاقاته المجتمعية على مر السنين. لكن الممارسة التعليمية اليوم تواجه سلوكات،واعية أو غير واعية، تسير في اتجاه التأصيل للقيم الخارجية عن ثقافة البلاد، وذلك من خلال تبني مجموعة من الأفكار الغارقة في التزمت والإنغلاق والخشونة البدوية، والمتضمة في الفكر الوهابي المستورد من المشرق. من هذا المنطلق يبقى الإصلاح المنشود في الحقل الديني مرتبط بشكل كبير بالبرامج التعليمية وبطرق التدريس خصوصا في ما يتعلق بمادتي التربية الإسلامية واللغة العربية. أما الجانب الثالث فيتعلق بمجال البحث العلمي الأكاديمي. فهذا الحقل بالذات يجب أن يشهد ثورة حقيقية لتجاوز نوعا من العبث بدأ يتأصل في الجامعة المغربية. فتطوير مجال البحث العلمي سيساهم بشكل كبير في تأصيل خطاب المعرفة العلمية العقلانية بعيدا عن الخطاب السياسي المبني على التبرير وأيضا بعيدا عن الخطاب الإعلامي الذي يتوخى التواصل من أجل التواصل وينزاح أحيانا إلى مستوى السطحية والإبتذال. أما الجانب الرابع فيرتبط بمجال التنمية الإقتصادية و البشرية. فتطور المجتمعات يقوم على قيمتي التنمية والتعايش، وبالتالي فإن جانب التنمية البشرية والإقتصادية، حينما يقوم على أسس محددة الأهداف سيخلق الإنسان الواعي والمنتج والمتشبع بقيم المواطنة والإنسانية... هذه الجوانب الأربعة، وإن تم فصلها تقنيا فقط، فهي مترابطة ببعضها، والهدف منها هي خلق تربية الإنسان المغربي على قيم تجعله بحق في مقام الإستثناء، خصوصا وسط هذه الكوارث التي تحيط بنا من كل جانب.