بعد نصف قرن على أول ظهور لها تعود مسرحية “الحراز” لتطرق طرقاتها الثلاث خشبة مسرح محمد الخامس، ولتبعث من جديد روح مؤلفها ومخرجها الراحل عبد السلام الشرايبي، وتوقظ ذكرى الفنانين الذين جعلوا من هذا العمل تحفة مغربية باقية مثل الطيب الصديقي وبوجميع وباطما والروداني والزوغي وعمر السيد ومولاي الطاهر الأصبهاني الحاضر وحده من الجيل القديم في النسخة الجديدة من هذه المسرحية. “الحراز” الراهنة هي من توقيع الفنان محمد زهير رفقة فرقة “أكواريوم”. اقتباس وإخراج يرى فيه زهير استعادة لسؤال المسرح المغربي في لحظات وضعه لحجر أساس هويته المغربية الأصيلة كمسرح كان في بداياته يبحث عن ذاته ويروم الانفلات من التوجه الغربي لرسم ملامح فرجته المحلية وهو يستلهم الملحون. كما يرى في إعادة الاشتغال على هذا النص المسرحي وفاء للذاكرة الجمعية والفردية. فهو تحية للرواد كالشرايبي والصديقي ولرموز الظاهرة الغيوانية الذين يشترك معهم محمد زهير الانتماء إلى فضاء الحي المحمدي بالدارالبيضاء. وهو استجابة لعشق شخصي متجذر للملحون بما يكتنز من طاقة شعرية وعناصر مسرحية كامنة في المتخيل الذي يفيض به ويشع منه فضاء حيا قابلا للتجسد على الركح. اختيار زهير لهذه المسرحية أملاه أيضا “نوع من النضج” كما أسماه طال تجربته. فبعد مدة من الاقتباس من ريبيرتوار المسرح العالمي التفت بطل “حب في الدارالبيضاء” إلى “اللون المحلي”، ولم يجد أفضل من “الحراز” ليدشن بها محطة جديدة في مساره المسرحي. سؤال “الربط” بين القديم والجديد كان حاضرا في ذهنه. لذلك عمد إلى استثمار الطاقة الإبداعية للفنان مولاي الطاهر الأصبهاني الذي عرف في التمرن علي المسرحية كيف يجعل روح الغيوان تسري في وجدان ممثلين لهم ولع بالملحون كعبد الله ديدان ونعمان جمال والآخرين. أما المخرج الذي يخوض حلبة التشخيص فهو من حفاظ هذا اللون الشعري والغنائي الشعبي العميق. المسرحية التي ستُعرض مساء اليوم على خشبة مسرح محمد الخامس لن تكون استنساخا لما أبدعه الرواد. لكنها بحسب مخرجها تحمل ملامح حداثتها، وتختزن رؤيتها الإخراجية العصرية الخاصة. أما الملحون فلن يكون خالصا بل تداخله وتغذّيه إيقاعات أخرى غربية. خطوة لفتح “الحراز” على الكونية بعد أن وقعت للمسرح المغربي قبل نصف قرن على بطاقة هويته المحلية.