في كل سنة تتكرر الحكاية نفسها. والخلاصة من البداية، أن المتضررين من الفيضانات لم يعودوا في حاجة إلى مؤن غذائية وأفرشة بل إلى بنيات تحتية حقيقية. وأصل الحكاية تذكرنا بها، كلما اعترى ذاكرتنا النسيان، قطرات المطر الخريفية التي تعلن بداية فصل العذاب بالنسبة لسكان المناطق النائية والمعزولة. ففي نونبر الماضي عرف الجنوب فيضانات مهولة بسبب التساقطات المطرية فكانت الحصيلة ثقيلة في الأرواح بحيث ناهز عدد الضحايا الذين جرفتهم السيول الأربعين شخصا في كلميم وطاطا وتارودانت. الخسائر المادية بدورها كانت كارثية بحيث أحصى وزير السكنى وسياسة المدينة أزيد من 23 ألف دار تضررت من جراء الفيضانات من منازل تهدمت بالكامل وجزء آخر آيل للسقوط، ناهيك عن الطرق والقناطر المتضررة والتي فرضت على سكان المناطق المنكوبة عزلة دامت عدة أيام. والمؤسف أن أمر الفيضانات انتهى في حدود التشخيص وقراءة الفاتحة في البرلمان على أرواح الضحايا، ثم بعد ذلك تفرق الجمع على أرقام مالية بالملايير وأخبار متفرقة لقوافل المواد الغذائية والأفرشة...! وبعد سقوط الزخات المطرية الأولى هذا العام تذكرناهم من جديد فنطق لسان حال منكوبي السنة الماضية أن لا شيء تغير وأن السماء تلبدت بالسحب من جديد، لتذكرهم بوضع لم ينسوه أبدا ماداموا يعيشون في ظله لحد الساعة. مازالت منازلهم بلا إصلاح وباستثناء ترقيع بعض الطرق والقناطر لا توجد أي إشارة أو علامة على فك العزلة عن مناطقهم، ورغم الترقيعات التي ابتلعت الملايين تظل المسالك والقناطر مهددة مرة أخرى بالخراب كلما ارتفع منسوب الأودية المجاورة لسكناهم. في هذه السنة من الألفية الثالثة نحصي ببلادنا أزيد من 29 ألف دوار، في 1272 جماعة تعاني من الخصاص. كما أن هناك أزيد من 12 مليون مواطن يقطنون بأكثر من 24 ألف دوار تعرف خصاص فظيعا في البنيات التحتية، والخدمات الاجتماعية الأساسية، سواء في مجال التعليم والصحة، أو الماء والكهرباء والطرق. «ما يحز في نفسي، تلك الأوضاع الصعبة التي يعيشها بعض المواطنين في المناطق البعيدة والمعزولة وخاصة بقمم الأطلس والريف، والمناطق الصحراوية والجافة والواحات، وببعض القرى في السهول والسواحل». وهذا ليس كلامي بل هو مقتطف من خطاب رئيس الدولة الملك محمد السادس، والمعطيات التي سقناها سابقا هي حصيلة الدراسة الميدانية التي كلف بها جلالته وزارة الداخلية. إن أهم ما في هذا الورش الذي من المحتمل أن يبدأ مع ميزانية 2016 هو البنية الطرقية التي تعتبر المفتاح الأساسي لكل مشروع يروم إلى فك العزلة عن هؤلاء المواطنين، فهناك مواطنون مازالوا لحد اليوم لا يستطيعون الوصول إلى بيوتهم دون الاستعانة بالبغال نظرا لانعدام مسالك فبالأحرى طرق حقيقية تمر منها العجلات. إن العديد من الطرق بهذه المناطق المعزولة توقفت عند حدود ما تركه المستعمر الفرنسي للأسف، شأنها في ذلك شأن الخط السككي الذي مازال نصف المغرب محروما منه وذلك حسب التقسيم الحديث للمملكة إذ أن هناك عدة مدن تنتمي لست جهات لا يمكن أن تسافر إليها عبر القطار وهي جهة درعة تافيلالت وجهة سوس ماسة وجهة كلميم واد نون وجهة العيون الساقية الحمراء وجهة الداخلة وادي الذهب وبعض مدن جهة بني ملالخنيفرة. ستعود السيول من جديد لتبتلع المزيد من الضحايا، وتهدم المزيد من البيوت وتجرف المزيد من الطرق والقناطر، وتفضح ترقيعات حكوماتنا المتعاقبة، وسينتظر الوزراء مرة أخرى التعليمات الملكية للانتقال إلى المناطق المنكوبة، وسنضطر لقراءة الفاتحة من جديد على حالنا المتفاقم. والظاهر أن نملة ابن كيران في الحكومة لم تشتغل بالكفاءة نفسها التي اشتغلت بها في الحزب لاكتساح المدن في الانتخابات الجماعية والجهوية، وهي بذلك تسير على خطى الحكومات السابقة التي همشت هذه المناطق النائية وزادت من عزلتها. محمد أبويهدة