يوم 17 أكتوبر 2001 في أجدير، سيظل يوما مشهودا في التاريخ المعاصر، حين جمع الملك محمد السادس في لحظة لا تخلو من دلالة النخبة السياسية والاقتصادية، وألقى خطابا أشبه ما يكون باعتذار عن ما مورس على اللسان والإنسان والمجال الأمازيغي من تهميش وحيف وإقصاء في العهد البائد، قبل أن يأتي الخطاب الملكي للتاسع من شهر مارس 2011 ليعلن عن «التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة» ثم الدستور الجديد الذي اعترف بها كلغة رسمية. من بين ما يحسب للملك محمد السادس في العشرية الأولى من حكمة حرصه على رد الاعتبار لمكون من مكونات الهوية الوطنية، وهو اللغة والثقافة الأمازيغيتين. فبمجرد توليه العرش الإعلان في خطابه بتاريخ 30 يوليوز 2001 عن إنشاء معهد ملكي للثقافة الأمازيغية، كلف أحد أبرز الوجوه الأمازيغية وهو محمد شفيق بوضع لبناته قبل أن يحمل العميد الحالي أحمد بوكوس المشعل من بعده، ثم بعد ذلك جاء خطاب أجدير، حيث تم الإعلان عن الظهير المحدث للمعهد، وجاء بمفهوم جديد للهوية الوطنية، وتجاوز المقاربة الإقصائية للهوية الثقافية الأمازيغية، حيث قدم مفهوما جديدا للهوية المغربية المنفتحة والمتسمة بالتعددية، وأكد أن الأمازيغية مسؤولية الجميع، وأن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أداة لترجمة الطروحات التي جاء بها الخطاب على أرض الواقع عبر مجموعة من الإجراءات تهم مجال التربية والإعلام. وتم في السنوات الأولى من العمل للمعهد تنميط حرف تيفيناغ المعترف به، من قبل المنظمة الدولية إيزو- يونيكود-، ووضع قواعد التقعيد والمعيرة التدريجية للغة الأمازيغية، وإعداد مقررات المستويات الدراسية الابتدائية، إضافة إلى نشر سلسلة من الوسائط الديداكتيكية والحوامل البيداغوجية. ويشكل تنميط اللغة الأمازيغية وإدماجها في المنظومة التربوية الوطنية إحدى الأولويات التي تطلب تحقيقها تعبئة مجموعات متعددة التخصصات من الباحثين الذين وضعوا، بتعاون مع وزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر، أسس تدريس اللغة الأمازيغية التي تعتمد قيم التسامح والتعدد والاختلاف والديمقراطية والانفتاح على العالم، وتم الحسم في معركة الحرف الذي ستكتب به الأمازيغية لصالح حرف تيفناغ بعد صراع مع مؤيدي الحرف الآرامي، ودخلت الأمازيغية في شتنبر 2003 حوالي 317 مدرسة، وهي الآن في انتشار أفقي وعمودي وإن كانت تواجه صعوبات تهدد المشروع بالفشل. خطاب أجدير جاء بمفهوم جديد للسياسة اللغوية، والتي كانتا من قبل، سياسة لغوية إقصائية تغيب الأمازيغية فيها، وأقر بمشروعية إدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية، واعتبر أن إدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية والمجال السمعي البصري تجسيد للمشروع المجتمعي الحداثي، فالبند الثالث من الظهير المؤسس والمنظم للمعهد الملكي حدد أهدافه، في جمع التراث ودراسته وإصدار كتب تعرف به، وإدارج الأمازيغية في المنظومة التربوية، وفي المجال السمعي البصري وتنميط حرف تيفناغ وتقعيد اللغة، وكذا الانفتاح على المحيط من جمعيات أمازيغية والمجتمع المدني والجامعات ومراكز البحث العلمي، وهدفه الأساسي العمل على تحقيق إشعاع اللغة والثقافة الأمازيغيتي،ن والنهوض بهما في إطار مشروع مجتمعي ديمقراطي، تعددي ومنفتح على العالم. لقد تم إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كمؤسسة أنيطت بها مهام النهوض بالأمازيغية وحمايتها، وهي هيئة استشارية أحدثت تحت رعاية جلالة الملك محمد السادس نصره الله، حيث تطمح طبقا لمقتضيات الظهير الملكي المنشئ والمنظم لها، إلى رد الاعتبار لمكون أساسي للهوية الوطنية، وتمكين الأمازيغية بمختلف تجلياتها وتعابيرها من استعادة مكانتها المشروعة داخل المشهد الوطني. ويتعلق الأمر بإحداث قطيعة مع سياسة الإقصاء والتهميش التي عانت منهما الأمازيغية طيلة عقود من الزمن ومن شأن هذا القرار التاريخي لجلالة الملك أن يضمن للأمازيغية شروط استمراريتها، من خلال فتح فضاءات التعبير مشرعة أمامها بإدماجها تدريجيا في مختلف المؤسسات الوطنية. ويشكل إدخال الأمازيغية إلى المدرسة العمومية أهم إنجاز واعتبر بمثابة ثورة، حيث تكلف المعهد الملكي بإعداد الكتاب المدرسي وتكوين المعلمين والمدرسين والتدريس في تدرج حسب المستويات الدراسية، كما أن التدريس آخد في الانتشار على المستوى الأفقي والعمودي، وإن كان المشروع ما تزال تعترضه العديد من المعيقات على المستوي المحلي، خاصة مع استمرار بعض المسؤولين بوزارة التربية الوطنية على مستوى الأكاديميات الجهوية في عدم اتخاد تدابير استثنائية لإنجاح إدماج التدريس في المدرسة العمومية، وهو ما يقتضي أن تتوفر لدى أولئك المسؤولين، ثقافة سياسية حقيقية تؤمن بالاختلاف والتعدد والرغبة في المصالحة مع الذات الوطنية ومنح نفس الإمكانيات والفرص للثقافات واللغات الوطنية. وفي مجال الإعلام، فإن القنوات العمومية قامت بالعديد من الخطوات، ولم تعد البرامج مقتصرة على النشرة الإخبارية، بل تعدته إلى برامج حول الأمازيغية وأخرى باللغة الأمازيغية بفروعها الثلاثة بناء على دفتر تحملات واضح وإن كان تطبيقه لم يلبي كل الطموحات. كما تحقق حلم الأمازيغيين الإعلامي بإحداث قناة تمازيغيت بتنسيق بين الوزارة والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ولا تزال القناة تشق طريقها لتصبح رائدة ضمن قنوات القطب العمومي وإن كانت محط انتقادات عديدة. الدستور يعيد الاعتبار للأمازيغية حين وضع الملك في خطاب يوم التاسع من مارس 2011 عن المرتكزات السبعة لورش الإصلاح الدستوري، لم يغفل الملف الأمازيغي، بل أعلن أن الدستور الجديد سيكرس «الطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة». ذلك ما فتأت العديد من الجمعيات تؤكد عليه في مذكراتها في مناسبات شتى، خاصة أثناء التفكير في التعديلات الدستورية منذ ميثاق أكادير والمذكرة التي رفعت إلى الديوان الملكي سنة 1996 وأيضا سنة 1992، لكنها لم تؤخد مأخد الجد، وعاودت الجمعيات التأكيد على المطلب ذاته في مختلف المناسبات، خاصة أثناء اجتماعات حركة من أجل دستور ديمقراطي، ووضع المطلب ذاته من بين المطالب الرئيسية لحركة 20 فبراير أيضا التي ساهم في صياغتها عدد من الفعاليات الأمازيغية. في الإطار نفسه، وجهت الجمعيات الأمازيغية منذ أشهر مذكرة مطلبية من أجل ترسيم الأمازيغية في الدستور، إلى الديوان الملكي وقعت عليها كل من جمعية «أمريك» ومنظمة تاماينوت وكنفدرالية الجمعيات بالجنوب المغربي وكنفدرالية الجمعيات بالشمال وتنسيقية تونفيت ومنظمة الأطلس لحقوق الإنسان. واقترحت الجمعيات المذكورة تنصيص ديباجة الدستور على البعد الأمازيغي كبعد أساسي للهوية الوطنية، وإقرار اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للمملكة. ما يبرر المطالب الأمازيغية بضرورة توفير الحماية الدستورية للأمازيغية لغة وثقافة وهوية، هو مآل ملف الأمازيغية اليوم، والكثير من التراجعات التي تعرفها مختلف الأوراش خاصة في التعليم والإعلام وغيرها بسبب السياسات الحكومية، رغم أن الخطاب الرسمي، ما فتئ يعلن في كل مناسبة على الحرص على القطيعة مع سياسات التهميش والتحقير للمكون الأمازيغي، والعزم على إعادة الاعتبار للأمازيغية لغة وثقافة. الدستور الجديد حسم في الفصل الخامس في وضعية الأمازيغية، وورد فيه أنه «تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء»، ويوفر الفصل حماية قانونية للأمازيغية من خلال التنصيص على إصدار قانون تنظيمي سيحدد «مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية»، كما وفر حماية للأمازيغية على المستوى المؤسساتي من خلال التنصيص على إحداث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية سيعمل على «حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا». اطمأنت نفوس جل النشطاء الأمازيغيين لدسترته الأمازيغية، وتنصيص الدستور الجديد على المكون الأمازيغي للهوية المغربية، لكنهم لا يزالون يطالبون ب«تحقيق إدراجها الفعلي في كافة مجالات الحياة العامة وفق برنامج وجدولة زمنية معقولة». نقطة الانطلاق، هي التعليم، وهو القاعدة التي ينهض عليها صرح الترسيم الحقيقي لدوره في استمرارية اللغة وتعليمها للأجيال القادمة، ثم توسيع الحضور في مجال الإعلام وفي الفضاء العمومي وواجهة المؤسسات، بالإضافة إلى المحاكم، ثم الإدارة العمومية، وذلك هو التحدي الجديد لاختبار مدى جدية طي عهد التهميش والإقصاء للغة والثقافة الأمازيغية بالمغرب.