عشر سنوات مرت على مولود يسمى «المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية»، وفي كل سنة يخطو خطوة خطوة لمصالحة المغاربة مع ذاتهم الأمازيغية. المؤسسة ساهمت اعطاء البعد الأمازيغي في الهوية الوطنية مكانته المتميزة. يوم 17 أكتوبر 2001 في أجدير سيظل يوما مشهودا في التاريخ المعاصر، حين جمع الملك محمد السادس في لحظة لا تخلو من دلالة النخبة السياسية والإقتصادية، وألقى خطابا أشبه ما يكون باعتذار عن ما مورس على اللسان والإنسان والمجال الأمازيغي من تهميش وحيف واقصاء في العهد البائد. من بين ما يحسب للملك محمد السادس في العشرية الأولى من حكمة حرصه على رد الإعتبار لمكون من مكونات الهوية الوطنية وهو اللغة والثقافة الأمازيغيتين. فبمجرد توليه العرش الإعلان في خطابه بتاريخ 30 يوليوز 2001 عن إنشاء معهد ملكي للثقافة الأمازيغيةكلف أحد أبرز الوجوه الأمازيغية وهو محمد شفيق بوضع لبناته قبل أن يحمل العميد الحالي أحمد بوكوس المشعل من بعده، ثم بعد ذلك جاء خطاب أجدير حيث تم الإعلان عن الظهير المحدث للمعهد، وجاء بمفهوم جديد للهوية الوطنية، وتجاوز المقاربة الإقصائية للهوية الثقافية الأمازيغية، حيث قدم مفهوما جديدا للهوية المغربية المنفتحة والمتسمة بالتعددية، وأكد أن الأمازيغية مسؤولية الجميع، وأن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أداة لترجمة الطروحات التي جاء بها الخطاب على أرض الواقع عبر مجموعة من الإجراءات تهم مجال التربية والإعلام. وتم في السنوات الأولى من العمل للمعهد تنميط حرف تيفيناغ المعترف به من قبل المنظمة الدولية إيزو- يونيكود-، ووضع قواعد التقعيد والمعيرة التدريجية للغة الأمازيغية، وإعداد مقررات المستويات الدراسية الإبتدائية، إضافة إلى نشر سلسلة من الوسائط الديداكتيكية والحوامل البيداغوجية. ويشكل تنميط اللغة الأمازيغية وإدماجها في المنظومة التربوية الوطنية إحدى الأولويات التي تطلب تحقيقها تعبئة مجموعات متعددة التخصصات من الباحثين الذين وضعوا، بتعاون مع وزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر، أسس تدريس اللغة الأمازيغية التي تعتمد قيم التسامح والتعدد والإختلاف والديمقراطية والإنفتاح على العالم، وتم الحسم في معركة الحرف الذي ستكتب به الامازيغية لصالح حرف تيفناغ بعد صراع مع مؤيدي الحرف الآرامي، ودخلت الأمازيغية في شتنبر 2003 حوالي 317 مدرسة وهي الآن في انتشار أفقي وعمودي وإن كانت تواجه صعوبات تهدد المشروع بالفشل. خطاب أجدير جاء بمفهوم جديد للسياسة اللغوية، والتي كانتا من قبل، سياسة لغوية اقصائية تغيب الأمازيغية فيها، وأقر بمشروعية ادماج الأمازيغية في المنظومة التربوية، واعتبر أن إدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية والمجال السمعي البصري تجسيد للمشروع المجتمعي الحداثي، فالبند الثالث من الظهير المؤسس والمنظم للمعهد الملكي حدد أهدافه في جمع التراث ودراسته وإصدار كتب تعرف به، وإدارج الأمازيغية في المنظومة التربوية، وفي المجال السمعي البصري وتنميط حرف تيفناغ وتقعيد اللغة وكذا الإنفتاح على المحيط من جمعيات أمازيغية والمجتمع المدني والجامعات ومراكز البحث العلمي، وهدفه الأ ساسي العمل على تحقيق إشعاع اللغة والثقافة الأمازيغيتين والنهوض بهما في إطار مشروع مجتمعي ديمقراطي، تعددي ومنفتح على العالم. لقد تم إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كمؤسسة أنيطت بها مهام النهوض بالأمازيغية وحمايتها، وهي هيئة استشارية أحدثت تحت رعاية جلالة الملك محمد السادس نصره الله، حيث تطمح طبقا لمقتضيات الظهير الملكي المنشئ والمنظم لها، إلى رد الإعتبار لمكون أساسي للهوية الوطنية، وتمكين الأمازيغية بمختلف تجلياتها وتعابيرها من استعادة مكانتها المشروعة داخل المشهد الوطني. ويتعلق الأمر بإحداث قطيعة مع سياسة الإقصاء والتهميش التي عانت منهما الأمازيغية طيلة عقود من الزمن ومن شأن هذا القرار التاريخي لجلالة الملك أن يضمن للأمازيغية شروط استمراريتها، من خلال فتح فضاءات التعبير مشرعة أمامها بإدماجها تدريجيا في مختلف المؤسسات الوطنية. ويشكل ادخال الأمازيغية إلى المدرسة العمومية أهم انجاز واعتبر بمثابة ثورة، حيث تكلف المعهد الملكي باعداد الكتاب المدرسي وتكوين المعلمين والمدرسين والتدريس في تدرج حسب المستويات الدراسية، كما أن التدريس آخد في الإنتشار على المستوى الأفقي والعمودي وإن كان المشروع ما تزال تعترضه العديد من المعيقات علي المستوي المحلي، خاصة مع استمرار بعض المسؤولين بوزارة التربية الوطنية على مستوى الأكاديميات الجهوي في عدم اتخاد تدابير استثنائية لإنجاح إدماج التدريس في المدرسة العمومية، وهو ما يقتضي أن تتوفر لدى أولئك المسؤولين ثقافة سياسية حقيقية تؤمن بالإختلاف والتعدد والرغبة في المصالحة مع الذات الوطنية ومنح نفس الإمكانيات والفرص للثقافات واللغات الوطنية. وفي مجال الإعلام، فإن القنوات العمومية قامت بالعديد من الخطوات، ولم تعد البرامج مقتصرة على النشرة الإخبارية، بل تعدته إلى برامج حول الأمازيغية وأخرى باللغة الأمازيغية بفروعها الثلاثة بناءا على دفتر تحملات واضح وإن كان تطبيقه لم يلبي كل الطموحات. كما تحقق حلم الأمازيغيين الإعلامي باحداث قناة تامازيغيت بتنسيق بين الوزارة والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والمعهد الملكي للثقافة الامازيغية، ولا تزال القناة تشق طريقها لتصبح رائدة ضمن قنوات القطب العمومي وإن كانت ومحط انتقادات عديدة.