هناك خاسرون كثر في انتخابات الجمعة الفارط،على رأسهم اليسار.لقد تبين بالملموس ان هذا الاخير انتهى وقد لا تعود له قائمة.اليسار انتهى ليس فقط على مستوى التأثير،هذا التأثير الذي لم يكن قويا وفعليا في أي مرحلة مغربية سابقة،بل انتهى على مستوى الوجود. أما الرابح الأكبر فهو حزب «العدالة والتنمية» ممثل الإسلام السياسي في المغرب، الذي اكتسح الصناديق وسحق خصومه في قلاعهم وتمكن من التربع على كرسي رئاسة اهم المدن المغربية بأغلبية مريحة. النتائج كانت منطقية استحقها إخوان بنكيران بفضل مجهودهم في حملة انتخابية انطلقوا فيها منذ اكثر من سنة واستغلوا فيها كل التقنيات المتاحة. لقد تابع المغاربة كيف جاب بنكيران المغرب طولا وعرضا في حملة غاية في التنظيم. كما ان «العدالة والتنمية» اشتغل بشكل موفق على عامل الانضباط حيث عمل كل أعضائه بنضالية مثالية وغزو صناديق الاقتراع في عملية اعتبروها معركة وجود،فانصفتهم الصناديق بدرجة كبيرة،فنالوا جزاء عملهم. المنتصر الكبير إذن هو هذا الحزب الذي تمكن من التغلغل في المجتمع مستعملا أساليبه الخاصة التي بوأته صدارة المشهد السياسي المغربي اليوم. إن أصدق تعبير عما حدث في نتائج «العدالة والتنمية» هو تشبيه بنكيران نفسه لعمل حزبه وعمل معارضيه بقصة «الصرار والنملة». وبالفعل لقد كان «العدالة والتنمية» نملة اشتغلت بجد فكان الأجر وافيا مستوفيا. حزب «الأصالة والمعاصرة» لم يخسر الانتخابات هو الآخر لأنه أيضاً قام بحملة انتخابية جيدة، وهو وإن خسر بعض قلاعه، الا انه استفاذ من عمله ببلوغه المرتبة الأولى على مستوى الجماعات. شباط تلقى ضربة قاسية وهو يندحر امام خصمه في قلعة كان اسدها بامتياز، وفي ذلك مغزى قوي يميز بين شباط الشخص وحزب الإستقلال. أما الاتحاد الاشتراكي فكون معظم قيادييه المرشحين لم يفلحوا ولو بالفوز بمقعد في هذه الانتخابات دليل على ان الحزب بلغ مرتبة من الوهن غير مسبوقة في تاريخه، والرسالة واضحة تجمل الوضع التنظيمي الذي يعيشه ذاك الذي كان أقوى حزب في المغرب. امام هذه الصورة في المشهد السياسي اليوم يتبين ان سياسة الهروب الى الامام والتحجج بالخروقات وما شابهها،لتبرير ما وقع موقف لا معنى له ولا فائدة ترجى منه. والصواب ان يعترف المنهزمون بهزيمتهم، ويتحملون مسؤوليتهم كاملة بتقديم الحساب الى قواعد أحزابهم كما هو معمول به في الديموقراطيات. ان نتائج انتخابات الجمعة الماضي تحمل رسائل واضحة لا لبس فيها. رسائل تفيذ بأن المشهد السياسي المغربي في مرحلة خطيرة، تسير نحو تحكم تيار ارتدادي، في المجتمع. هذا التيار الذي يجتهد في العمل من أجل التحكم في المجتمع مستغلا كل المستجدات، مقدما صورة عن نفسه تلقى هوى في نفوس الناس دون أن يجد منافسا مقنعا يحد من تقدمه، ويستغل بشكل أساسي طلاق فئة عريضة من المغاربة للعملية الإنتخابية نتيجة عوامل موضوعية وأخرى نفسية. قد تكون نتائج انتخابات الجمعة الماضي مؤشرا على ما ستكون عليه نتائج الإنتخابات التشريعية القادمة،خصوصا وأن الأمل في أن تراجع التيارات الأخرى نفسها ضعيف جدا. كل هذا يدعو إلى القلق من تأزيم قد تصل إليه البلاد في القادم من الأيام...