بخروج حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى المعارضة، بدأت تلوح في الأفق مسألة التقاطبات السياسية المنطقية. لقد كان من المفترض أن تتوضح هذه التقاطبات في سنوات السبعينيات، كنتيجة للتصارع السياسي الطبيعي، والتدافع المجتمعي الواقعي بين التيارات والحساسيات المجتمعية كما هي موجودة. لكن تدخل الأجهزة آنذاك، أجهض هذا الفرز وخلق خريطة سياسية مصطنعة ومبلقنة بهدف التحكم فيها وتوجيهها لفائدة جهة كانت كل رغبتها هي تمييع السياسة وإبعاد الناس عنها، وتشجيع قيم الانتهازية والنفعية للتحكم في المجتمع وتدجينه وحكمه بهاجس أمني فقط. وخلق مؤسسات صورية تخدم اتجاه الحكم المطلق. لقد أضاع المغرب فرصا عديدة في إطار الصراع بين قوى تقدمية وقوى تحكمية، وتم خلق واقع هجين سيؤدي المغرب ثمنه غاليا كما يظهر ذلك إلى يومنا هذا. لقد بدأ الصراع المجتمعي يفرز تقاطباته، وبدأت تتشكل ملامح منطقين، الأول محافظ ماضوي يميني ، ومنطق ديمقراطي حداثي اجتماعي. وباستثناء النشاز الذي سيخلقه حزب التقدم والاشتراكية إذا ما شارك في الحكومة، فإن منطق اليمين واليسار والقطب الليبرالي قد يفسح المجال للقطبية التي من شأنها أن تنهي مع البلقنة الحزبية التي سادت لعقود من الزمن في التاريخ السياسي المغربي المعاصر. والتصارع السياسي كما هو موجود في المجتمع هو بين القوى المحافظة والقوى الحداثية. فما هو موجود في المغرب، ومنذ مدة دون أن يجد لنفسه تعبيرا في الواقع الحزبي، هو تصارع بين «فكر» يريد أن يتحرر من القيود الماضوية، ليتمكن من تحقيق ذاته في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية كقيم كونية كما تحددها المواثيق الدولية. وبين «فكر» ماضوي يحلم بتحقق نموذج «السلف الصالح» في كل مناحي الحكم. قد لا يظهر هذا التقسيم بالوضوح اللازم، إلا أن كل شعارات الشارع تسير في هذا الاتجاه وقد تتوحد برغم تنافرها في بعض الأحيان، لكن الواقع يبرر وجودها. ويظهر أن القادم من الأيام سيفرز التناقض بشكل واضح ليعطي للسياسة في بلدنا منطقا يولد تصارع الأفكار عوض العبثية التي خلقها نظام الحكم بعيد الاستقلال. فهل يختار حزب التقدم والاشتراكية الفعل التاريخي الذي يدفع بدينامية تشكل القطبية، أم يتموقع في فعل سياسي ظرفي يشوش على المنطق الطبيعي للصراع المجتمعي؟