في يونيو 2014 استطاع المنتج الوثائقي مدين ديرية الدخول إلى مناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية داعش، ونقل إلى العالم صورة لما يقع في "خلافة البغدادي". يحكي ديرية عن ظروف وصوله إلى الرقة، معقل داعش، ولقائه بمقاتلين كانوا عماد الجيش العراقي خلال حكم صدام حسين. يقول إنه عرف "أبو جندل العراقي" منذ 2004. كان أبو جندل عقيدا في الجيش العراقي، وانضم لمجموعة مسلحة شاركت في معركة الفلوجة الثانية. لم يكن أبو جندل جهاديا حينئذ، لكنه في 2014 صار أحد زعماء داعش. التقاه ديرية هذه المرة في سورية. وكان قائد "الدولة الإسلامية في العراق والشام" أبو بكر البغدادي قد بعث أحد مساعديه أبو محمد الجولاني لسورية ليؤسس فرعا لتنظيمه هناك. لكن الجولاني اختار أن يؤسس "جبهة النصرة" التي منحت الأولوية لمقاتلة الجيش السوري. يشير ديرية إلى أن الزعيمين اجتمعا في حلب لحل الإشكال، غير أن العلاقات الوثيقة بين النصرة وتنظيم القاعدة والفشل المتكرر لداعش في ربط عرى الصلة بالقاعدة زاد من حدة الخلافات. لكن في فبراير 2014، أقدم داعش على تصفية زعيم حركة أحرار الشام الشيخ أبو خالد السوري، وهو تنظيم متحالف مع النصرة. وكان هذا بمثابة إعلان حرب. في الرقة يقول ديرية "لما وصلت إلى الرقة وجدت استعراضا عسكريا، عرفت فيما بعد أنه مبرمج ليصادف وصولي". قبل الحرب كانت هذه المدينة "ليبرالية تعيش داخلها قطاعات عريضة من المسيحيين. كان السكان يخرجون في الليل للشرب والتدخين. الآن حتى الموسيقى ممنوعة في الشوارع، والصور مغطاة. تغير كل شيء"، يقول ديرية. ويضيف "هناك أزيد من 80 جنسية تعيش في الرقة. الأطفال أقل من 15 عاما يرتادون المدارس الدينية. وحينما تتجاوز أعمارهم 16 سنة يشاركون في معسكرات التدريب على القتال واستعمال السلاح". ويتابع "خلال مكوثي في الرقة. كان يرافقني باستمرار فريق إعلامي تابع لداعش. وهم أشخاص اشتغلوا في التلفزيون، وحسب ما شاهدت فإنتاجهم الإعلامي كان محدودا، وخدمات الإنترنت ثقيلة، لكنهم يشتغلون كثيرا وينامون قليلا". ومن وسائل الدعاية، يقول مدين ديرية "الكتابة على الإنترنت وتوزيع الأقراص المدمجة، والتجول بشاحنات كبيرة تردد خطابات لزعيم التنظيم أبوبكر البغدادي، والناطق باسمه أبومحمد العدناني". ويشرح سبب اهتمام داعش بصورته في الإعلام قائلا "كان يتعاملون بقسوة مع وسائل الإعلام الدولية، لكن لاحظوا الاهتمام العالمي بهم وقرروا إنشاء خلايا إعلامية، منها قناة الفرقان. وقد وضعوا في كل محافظة قسما إعلاميا مرتبطا مباشرة بمكتب الدعوة". يروي ديرية "في حدود الثانية ليلا في الرابع من يوليوز الماضي، استيقظت على إيقاع تفجيرات وتبادل لإطلاق النار. الذين كانوا معي من قسم الإعلام لم يناموا. خرجوا ممتشقين بنادقهم إلى الخارج". ساعات بعد ذلك، "أدركت أن قوات أميركية هاجمت معسكرا بالرقة. كانوا ربما يريدون تحرير بعض الرهائن من قبضة داعش. انسحبت القوات الأميركية بعد مقتل ثمانية مسلحين من داعش بينهم مدربون من تونس والسعودية، لكن لم يتم تحرير الرهائن". الاستراتيجية الحربية تجمع الاستراتيجية القتالية لداعش، حسب مدين ديرية، بين التكتيكات الحربية لطالبان التي نقلها أبو مصعب الزرقاوي لتنظيم القاعدة في العراق، والخبرة العسكرية لضباط سابقين في الجيش العراقي. يحاول داعش توسيع فعاليته القتالية، إذ يستخدم صواريخ متوسطة المدى وقذائف ساعد ضباط بعثيون في صناعتها. عند المواجهة، يقول ديرية إن داعش يعتمد على الانتحاريين لاختراق الصفوف الأمامية. ويقوم قادة من الحرس الجمهوري العراقي السابق بتقسيم باقي المجموعات على التشكيلات القتالية، وخلال ذلك لا يتوقف القصف بالصواريخ. ويقول إن هذه المقاربة كانت واضحة الصيف الماضي، إذ سيطر داعش على أراض بمساحة الأردن، وكسب التنظيم المتشدد خلال المعارك مخزونا كبيرا من الأسلحة الثقيلة والمتطورة، والكثير من المال. ويؤكد أن داعش رغم انتصاراته يواجه الكثير من التحديات لعل أبرزها صعوبة الحصول على السلاح الثقيل، والعجز عن صيانة ذلك السلاح وتوفير قطع الغيار، وعجزه عن صناعة عدد كاف من السيارات الملغمة التي يستخدمها بكثافة كتكتيك حربي اعتمده للسيطرة على مدينة الرمادي في أيار/مايو الماضي. ومن التحديات التي تواجه داعش أيضا: الحرب على عدة جبهات، إذ يواجه هؤلاء المقاتلون المتشددون الأكراد والجيش العراقي والمعارضة السورية والجيش السوري النظامي.