تقديم كتاب الصحراء المغربية أرض النور والمستقبل بدوسلدورف ألمانيا    من المسؤول عن تعطيل عملية تسليم الشقق للمنخرطين في مشروع القدس 1 المنتهية أشغاله بودادية النجاح للسكن بأكادير    المنتخب المغربي يصل إلى فرانسفيل    السياحة المستدامة والتحول الرقمي محور الدورة الثالثة لملتقى المقاولة بالحسيمة    "الفعل الاجتماعي" في المغرب .. مسؤولية الحكومة وانتظارات المواطن    المغرب والسعودية يتفقان على تسهيل عملية ترحيل المحكوم عليهم بين البلدين    مسؤول برئاسة النيابة العامة يوضح النطاق المحمي بمقتضى قانون الصحافة وموجبات تطبيق القانون الجنائي    الولايات المتحدة.. ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    جهة الداخلة تعزز الشراكة مع إسبانيا    هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة غدا الخميس بعدد من أقاليم المملكة    باليراريا" تنقل فرق مغربية ومعدات شفط المياه لدعم جهود الطوارئ في فالنسيا            رقم قياسي.. المغرب استقبل 14.6 مليون سائح حتى متم أكتوبر الماضي    أمن العيون يطيح بشبكة إجرامية تنشط في سرقة الأسلاك الكهربائية    تقرير: 16% فقط من المغاربة يعيشون حياة "مزدهرة" و69% يفكرون في تغيير وظائفهم    جمعية ثاويزا آيث شيشار تكتشف و ترصد دولمن مدفني بجماعة بني شيكر يعود لألاف السنين    لجنة المالية تصادق على مركزية الأجور والمناصب المالية وصفة موظف عمومي لمهنيي الصحة        المغرب يستقبل أكثر من 14 مليون سائح في 10 أشهر    في لقاء إعلامي قبل التوجه إلى الغابون : الركراكي يؤكد أن المنتخب الوطني يشهد تنافسية كبيرة وزياش يغيب بسبب ضعف الجاهزية    شاحنات مغربية تصل إلى إسبانيا للمساهمة في إزالة مخلفات "دانا" بفالنسيا    المغاربة يواصلون الاحتجاج ضد الإبادة في غزة ومطالب بتوضيح حكومي حول سفينة متجهة لإسرائيل    لأول مرة.. "حزب الله" يعلن استهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية بتل أبيب    تقديم 21 شخصا أمام وكيل الملك بتارودانت على خلفية أحداث شغب مباراة هوارة وأمل تزنيت    المغرب يحتضن المرحلة الأولى من الدوري الإفريقي لكرة السلة    أخنوش يبرز تجربة المغرب في "كوب29"    فيضانات جديدة تجتاح جنوب وشرق إسبانيا    هذا ما قرره وكيل الملك بتارودانت في حق المتورطين في أحداث شغب ملعب هوارة    بعد قطع عملية الإعدام الأولى .. إعدام رجل شنقا "للمرة الثانية"    "ذي غارديان" تتوقف عن نشر محتوياتها على "اكس"    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (الجزء2 فيديو)    بمناسبة اليوم العالمي لداء السكري…كيف نقي أنفسنا من داء السكري؟ غزلان لحرش تجيب عبر "رسالة24"    الركراكي يستدعي رضا بلحيان لتعويض أمير ريشاردسون المُصاب        ملف الطالب بدر يعود للمحكمة وهذه تفاصيل أولى الجلسات    صندوق النقد الدولي يشيد ب"التقدم المطرد" الذي يحققه المغرب    الدوري السعودي يضم 7 لاعبين بين أعلى الأفارقة أجرا عالميا ب 2.9 مليون إسترليني أسبوعيا    وليد الركراكي: لن نبكي على أحد.. من يريد تمثيل المغرب عليه بالصبر    حميد زيان ينهي تصوير الشريط التلفزيوني "بنت العم"    فيلم "مورا يوشكاد".. يجوب قاعات السينما المغربية ويكشف مآساة الاستغلال القسري للعمال المغاربة بفرنسا    واقعة الصفعة تحيل الفنان عمرو دياب إلى محكمة الجنح    احتفاء بالمنتخب الوطني للملاكمة بعد احرازه بطولة إفريقيا بكنشاسا    فوز البريطانية سامانثا هارفي بجائزة بوكر الأدبية العريقة للعام 2024    اختبار أول شبكة اتصالات تجمع الذكاء الاصطناعي وتقنية الجيل الخامس    إفريقيا تعتمد اختبار "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    أسعار صرف العملات العالمية مقابل الدرهم .. التحليل الكامل    كابوس النظام الجزائري ماركو روبيو.. المرشح الأبرز لمنصب وزير للخارجية الأمريكية في إدارة ترامب    "أجيال" ينقل الجمهور إلى قطاع غزة    حملة توعية بضرورة الكشف المبكر عن سرطان الرئة    تقارير.. المغرب من أكبر مستوردي الأدوية الروسية في إفريقيا    دراسة: تناول الدهون الصحية يقلل من احتمالات الإصابة بالسرطان    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الربيع العربي والفوضى الخلاقة هل تؤديان إلى الشرق الأوسط الكبير؟
نشر في الأحداث المغربية يوم 17 - 11 - 2011

لعل أكثر المصطلحات السياسية التي جرى تداولها وخاصة في منطقة الشرق الأوسط خلال العشرين سنة الأخيرة هي : (الشرق الأوسط الكبير ) و ( الفوضى الخلاقة) و(الربيع العربي ). ونظرا لارتباط هذه المصطلحات ببعضها وخطورتها على حاضر ومستقبل أمتنا وعموم المنطقة، لا بد لنا من إلقاء أضواء على هذه المصطلحات قبل أن ندخل في توضيح مخاطرها ومسارها وصيرورتها
الفوضى الخلاقة
يكاد يجمع المهتمون بالشؤون الإستراتيجية على أن هذا التعبير قديم بل وقديم جدا، فيرى البعض أنه ورد في كتابات ميكافيللي صاحب كتاب “الأمير” ونظرية الغاية تبرر الوسيلة، ويرى البعض الآخر أنه أخذ مجراه العملي أيام الثورة الفرنسية عندما أكلت الثورة أبناءها، وهناك من يقول أن جانبه الاقتصادي ورد في كتاب عالم الاقتصاد النمساوي جوزيف شامبيتر عن الرأسمالية والاشتراكية عام 1942، وهناك من يقول بأن الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر تحدث عن الفوضى الخلاقة من خلال كتاباته عن الوجودية والفوضوية .
الأمر المؤكد أن هذا المصطلح انتشر في منطقتنا في هذه الفترة على يد المحللين والساسة الأمريكيين، ويقول البعض إن أول تجسيد له بدأ في عهد الرئيس جورج بوش الأب بعد حرب الخليج الثانية عام 1991، ويرى البعض أنه ابتدأ في عهد الرئيس جورج بوش الابن بعد سقوط بغداد عام 2003، ولعل أبرز الإشارات إليه جاءت على لسان كوندوليزا رايس / وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد جورج بوش الابن في حديث أجرته مع صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في أبريل عام 2005 . وتختلف التعريفات التي أعطيت له ..
فهناك من عرفه بأنه حالة سياسية أو إنسانية مريحة بعد مرحلة فوضى متعمدة الإحداث .
وهناك من قال إنه عملية اختلاق المشاكل وتفعيلها بصورة منظمة من قبل فاعل خارجي يريد إعادة ترتيب أوضاع معينة .وقالت جهة ثالثة بأنه عملية إشاعة الفوضى السياسية والاجتماعية والأمنية في المجتمعات ليتم السيطرة عليها بأقل مجهود . وقالت جهة رابعة بأنه مصطلح موجود في الماسونية وعقائد الإلحاد والشرك انتشر مع غزو العراق ويقصد به تكوين حالة اجتماعية وفق نمط معين .
ومهما اختلفت التعريفات فإن الفوضى الخلاقة هي نوع من العولمة، تهدف إلى تدويل الغضب من أجل تحقيق أهداف تتعدى القطرية والإقليمية . إنه سلاح أمسكت به الإدارة الأمريكية في حقبة هيمنة ( المحافظين الجدد) الجماعة أو العصابة الأمريكية اليمينية المسيحية الصهيونية التي كان على رأس مخططاتها تشييد الإمبراطورية الأمريكية بعد انتهاء الحرب الباردة وإنفراد الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة العالم، وأرادوا من خلال تفعيل هذه الفوضى الخلاقة تجسيد مخطط ( الشرق الأوسط الكبير ) الذي يبتدئ منه تنفيذ المخطط الأمريكي الكوني .
الشرق الأوسط الكبير
من المعروف أن الأراضي العربية التي كانت خاضعة لحكم الدولة العثمانية تم اقتسامها في نهاية الحرب العالمية الأولى بين بريطانيا وفرنسا وفقا لاتفاقية (سايكس – بيكو ) الموقعة في مايو 1916. وبعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، كان متوقعا أن يعاد تقسيم منطقة الشرق الأوسط وفق ميزان القوى الجديد، ولكن ذلك لم يكن ممكنا في فترة الحرب الباردة مع الكتلة الاشتراكية .وبعد انهيار الإتحاد السوفياتي وتفكك حلف وارسو مما أشر على انتهاء الحرب الباردة وإنفراد الولايات المتحدة بزعامة العالم، بدأت مراكز الأبحاث والتخطيط تعد الخرائط لإعادة تقسيم المنطقة وفق المنظور الأمريكي وبما يخدم مصالحها، ووصلت إلى مرحلة التنفيذ في عهد الرئيس جورج بوش الابن .
ففي خطاب ألقاه وزير الخارجية الأمريكي كولن باول يوم 12 ديسمبر 2002 أعلن عن مبادرة شراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط تتوخى ( تشجيع المشاركة الشعبية في العملية السياسية، ومساعدة المؤسسات التعليمية والتربوية في أرجاء الشرق الأوسط، ومكافحة الأمية، ومؤازرة حقوق المرأة، ودعم القطاعين العام والخاص على تحقيق الإصلاحات الاقتصادية والاستثمار ) . وبعدها أعلن مارك غرو سمان نائب كولن باول عن عزم الولايات المتحدة تخصيص مئة مليون دولار لمبادرة الشراكة الشرق أوسطية . وفي 9 مايو 2003 أعلن الرئيس بوش عن مقترح إقامة منطقة تجارة حرة مع الشرق الأوسط خلال عشر سنوات .
وبالرغم من عدم توفر صيغة رسمية لهذا المشروع فإنه بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام يستهدف إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط وفق المنظور الأمريكي الذي تشكل بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وأعطى الأولوية لما سمي بإستراتيجية مواجهة الإرهاب. وينطلق المشروع الأمريكي مما ورد في تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية العربية لسنتي 2002 و 2003 وخاصة في فقرته التي تقول ( يمثل الشرق الأوسط الكبير تحديا وفرصة فريدة للمجتمع الدولي . وساهمت النواقص الثلاثة التي حددها الكتاب العرب لتقريري الأمم المتحدة المذكورين ( الحرية – المعرفة – المرأة ) في خلق الظروف التي تهدد المصالح الوطنية لكل أعضاء مجموعة الثمانية. وطالما تزايد عدد الأفراد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة سنشهد زيادة في التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة المشروعة. إن الإحصائيات التي تصف الوضع الحالي في الشرق الأوسط الكبير مروعة ).
هذا ما أريد له أن يعرف عن المشروع، ولكن حقيقة الأمر تظهر في ما كتبته جريدة لوس انجلوس تايمز الأمريكية يوم 1 سبتمبر 2002 عند ما قالت أن أحد الركائز الأساسية لفكر المحافظين الجدد ( تمركزهم حول المصالح الأمريكية الإسرائيلية بشكل مفرط ، وأن رؤيتهم تقوم على حماية أمن وسلامة دولة إسرائيل عن طريق تدخل أمريكي كبير لإعادة رسم خريطة المنطقة، يبتدئ بغزو العراق، ثم الانطلاق لبسط نفوذها على المنطقة، وفرض تحولات سياسية داخلية على دول المنطقة الرئيسية مثل سوريا والسعودية ومصر وإيران ، وفرض حل للصراع العربي الإسرائيلي ) .
الربيع العربي
من المعروف أن ( الربيع ) كتعبير سياسي أتى من ( الربيع ) كفصل يشهد تفتح الأزهار وتبرعم الأشجار، أي أن التعبير السياسي للربيع يعني بدء مرحلة تفتح جديدة أكثر إيجابية وأغزر مكتسبات للجماهير وتحقيق قدر مهم من الإنجازات على طريق تحقيق طموحات هذه الجماهير .وأقدم ما تحمله الذاكرة المعاصرة من ثورات أو انتفاضات حملت اسم ( الربيع ) هو ما شهدته تشيكوسلوفاكيا عام 1968 في محاولة للتملص أو الافتكاك من حلف وارسو وحكم الحزب الوحيد والتي أطلق عليها ( ربيع براغ )، وكانت نهايتها الفشل لأن الإتحاد السوفياتي كان لازال الطرف الثاني في قيادة العالم الثنائي القطبية، أي أنه وهو يقود حلف وارسو كان – في ذلك الوقت – قادرا على إخماد أي صوت معارض له .
والربيع العربي ابتدأ في تونس بمظاهرات سيدي بوزيد في 18 ديسمبر 2010 بعد أن أحرق البوعزيزي نفسه بعد مصادرة عربة الخضار التي كان يعتاش منها وعندما ذهب ليحتج صفعته مسؤولة في البلدية . ثم انتقل إلى الأردن يوم 14 يناير 2011 وبعدها بأيام إلى الجزائر وعمان ووصل في 25 يناير إلى مصر، وانتقل إلى اليمن في 11 فبراير ثم البحرين في 14 فبراير ثم ليبيا في 17 فبراير ثم المغرب في العشرين من نفس الشهر، وكانت آخر محطاته حتى الآن سوريا التي ابتدأ ربيعها في 17 مارس .
ولا شك أن هناك أسباب موضوعية كثيرة أدت إلى خروج الجماهير في تجمعات ومظاهرات ومسيرات واعتصامات حاملة شعارات ومرددة هتافات أيام الجمعة والأحد ثم في سائر الأيام التي أصبحت تحمل أسماء لها دلالات خاصة مثل : يوم الغضب – يوم الأحرار – يوم الثبات –يوم الوفاء –يوم النصر ... الخ . فقد تعبت الجماهير العربية مما حملته على أكتافها عشرات السنين ولم تعد قادرة على حمله أكثر، وضاق صدرها ولم يعد لديها استعداد لأن تصبر أكثر، ووصلت إلى قناعة بأن انتظار تصحيح الأوضاع بشكل سلمي وطبيعي وديمقراطي انتظار غير ذي معنى أو فائدة، وأن الخوف من العقوبة لا يمنع وقوع العقوبة وأن الصبر على مرارة الدواء تقي من استمرار معاناة الأدواء.
لقد كانت هذه الأسباب تتطلب إجراءات سريعة وجذرية من أجل إصلاح يشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يسمح بالتعامل مع أوضاع كل قطر على حدة مع انتظامه في نسق عام يسمح بخلق تعاون إقليمي يجعل الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط أكثر فاعلية على الصعيد الدولي ويساهم في حل القضايا الإقليمية وفي مقدمتها قضية فلسطين. وكنا في غنى عن إصلاح قادم من وراء المحيطات لا يستهدف إلا جعلنا أكثر قدرة على خدمة المصالح الأمريكية وأكثر رضوخا لأوامرها وإملاءاتها وأكثر قبولا لربيبها الكيان الصهيوني .
(*) عضو المجلس الوطني الفلسطيني
عوامل داخلية وأخرى خارجية
ولكن طبيعة الأنظمة الحاكمة في غالبية أقطارنا العربية لم تكن تتيح لها سماع صوت الجماهير وتفهم مطالبها، حيث أنها لم تصل إلى سدة الحكم بطريقة ديمقراطية ووفق ما تفرزه صناديق الاقتراع ، فلم تعمل على إقامة دولة الحق والقانون والمؤسسات . وانشغلت بالنهب والإثراء وتركت الغالبية العظمى من شعوبها تحت مستوى خط الفقر رغم ثراء بلدانها الفاحش، واستخدمت القوة المفرطة وأبشع أنواع البطش والتعذيب بحق كل من يستشم منه رائحة الامتعاض من السياسات المتبعة، فأصبحت الشعوب العربية بين راضخ مستكين للعنف الممارس ضده، أو مهاجر خارج وطنه، أو قابع في سجون وزنازين الأنظمة، ففقدت بذلك احترام شعوبها والتفافهم حولها وقبلت أن يكون ضامن بقائها على كراسي الحكم مظلة خارجية لها أهدافها ومخططاتها الخاصة المختلفة كلية عن أهداف ومطامح الجماهير العربية . ومن الطبيعي أن تتصرف هذه القوى الخارجية وفق مصالحها، بحيث أنها عندما تشعر في أي وقت بأن الحاكم لم يعد قادرا على خدمة مصالحها بشكل جيد فإنها سترفع عنه الغطاء وتبحث عن بديل آخر قادر على أن يؤدي نفس الدور بكفاءة أكبر. .
وزاد من صعوبة الوضع بروز قوتين إقليميتين استغلتا الضعف العربي وبدأتا البحث عن حصتهما من الكعكة العربية التي تخيلتا أنه ليس لها مالك، وأعني بهما إيران التي أرادت تحقيق مآربها من خلال الوجود الشيعي الحاكم في العراق والمؤثر في لبنان ومن خلال دعمها لبعض الحركات الإسلامية في فلسطين وغيرها . أضف إلى ذلك تركيا التي لم تنس بعد مجدا سالفا للإمبراطورية العثمانية وحكمها أربعمائة سنة للمنطقة العربية، ولازال يساورها الحنين لأن تكون عنصرا فاعلا في تقرير مصير المنطقة وأخذ نصيبها من ( المال السايب )، أو على الأقل استخدام ذلك للضغط على الإتحاد الأوروبي لقبول عضوية تركيا فيه .
ورغم كل ما يقال عن عداوة الولايات المتحدة ودول الغرب عموما لإيران، فإنني لا أعطي ذلك أهمية كبيرة لأنني أرى أن هذه العداوة متفاهم عليها، لأنها تخدم مصلحة أمريكا حيث أن تضخيم القوة العسكرية والخطر الإيراني يجعل كل دول المنطقة تطلب ود أمريكا لحمايتها من الخطر الإيراني، وتخدم مصلحة إيران بإطلاق يدها لحصول على حصة كبيرة (بقبول أمريكي ) من مقدرات العراق، وتستمر في برامجها النووية المعروفة سلفا من قبل الأمريكيين . وبالنسبة لتركيا فإنها أولا وآخرا عضو في حلف الناتو ولا تتعدى في مواقفها من الكيان الصهيوني مهما فعل سوى( إظهار الغضب ) أو ( التعبير عن الأسف ). ولا داعي للحديث عن الدور الإسرائيلي الذي هو أولا وآخرا جزء أو مكمل للدور الأمريكي .
وجرت الأحداث بشكل دراماتيكي، بحيث فر حاكم تونس وسجن حاكم مصر وقتل حاكم ليبيا ولا زالت شوارع اليمن وسوريا تتضمخ يوميا بدماء الشباب المنتفضين . ورغم سعادة الجماهير العربية بوضع حد لمنكر طال انتظار تغييره،وليل تأخر انبلاج فجره إلى الحد الذي (هرمنا ) ونحن ننتظره، فإن النتائج التي أسفر عنها الربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا وما جرى قبلها وأثناءها في العراق والسودان، تجعلنا نمعن التفكير في ما ذكرناه في الفقرات السابقة عن الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الكبير .
فقد أصبحنا نرى من هب ودب ينزل إلى الشوارع ويدعي المطالبة بالتغيير مع أن كثيرين منهم كانوا إلى وقت قريب من أزلام وأدوات الأنظمة، وأصبحنا نرى تطاحنا بين العديد من القوى الإسلامية الراديكالية والإسلامية المعتدلة والماركسية اللينينية والاشتراكية والقومية والوطنية وكل واحدة منها تدعي الريادة والقيادة، ورأينا بعض هؤلاء الشباب من السذاجة والغرور بحيث يتصور أن التاريخ يبتدئ من لحظة نزوله إلى الشارع، وأن كل ما عداه جاهل وغير قادر على تدبير شؤونه، وأصبحنا نرى دولا لا زال حكامها يحكمونها بقوانين القرون الوسطى تتصدر القوى المؤيدة والداعمة للانتفاضات ( المطالبة بالحرية والديمقراطية )، بل وتشارك بأموالها وقواتها وقنواتها الفضائية لإزاحة هذا الحاكم أو ذاك . وأصبحنا نرى مؤتمرات ولقاءات دولية وإقليمية عديدة تعقد على الأرض العربية وخارجها لتنظيم المعارضة ودعمها، وتتواضع القوى العظمى وتقبل أن تكون مجرد عضو في تحالف دولي تقوده دولة يقل عدد مواطنيها عن ثلث سكانها .
أمريكا والإسلام المعتدل
والأخطر من ذلك ما رأيناه يطفو على السطح من دور خطير أمريكي وأوروبي كدول ومجتمعة في حلف الناتو، والذي لولاه لما أمكن إنهاء حكم القذافي . ونتساءل هل اكتشفت دول حلف الناتو فجأة أن الحكام العرب ديكتاتوريين ولصوص ؟ ومنذ متى كانت هذه الدول حريصة على حرية وديمقراطية ورفاهية الشعوب العربية ؟ وهل تستطيع هذه الدول الاستمرار في نهب خيراتنا لو استعادت الشعوب العربية إرادتها واستقلت بقرارها ؟ . وأول ما يثير الشكوك هو الموقف الأمريكي المستغرب من الجماعات الإسلامية التي كانت إلى وقت قريب بالنسبة إليها كلها ( إرهابية ) لا فرق بين تنظيم القاعدة ولا حركة الإخوان المسلمين بكل تفريعاتها ولا الجمهورية الإسلامية الإيرانية، خاصة بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001.
ففي لقاء تم يوم 5 نوفمبر 2011 في منتدى ( المجلس الأطلسي ) وهو معهد للأبحاث في واشنطن مع السيد وليم تايلور الذي عينه الرئيس الأمريكي باراك أوباما كمنسق خاص لانتقال السلطة في الشرق الأوسط، وجه له سؤال يقول : هل ستكون واشنطن راضية إذا أسفرت انتخابات برلمانية نزيهة في مصر عن فوز الإخوان المسلمين ؟ أجاب: نعم سنكون راضين . إن ما يتعين علينا فعله هو أن نحكم على الناس وعلى الأحزاب والحركات بناء على أفعالها وليس على مسمياتها.
وفي يونيه 2011 صرحت السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية أن واشنطن أجرت اتصالات محدودة مع جماعة الإخوان المسلمين، في إطار مسعاها للتكيف مع التغييرات السياسية التي تحصل في مصر .
وفي 27 مايو 2011 التقى اثنان من كبار قادة حركة الإخوان المسلمين الدولية وهما المصري كمال الهلباوي والأردني همام سعيد في أنقرة مع ومسؤولين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية .
وهنا يجدر بنا التوقف عند حوار أجرته صحيفة الأهرام المصرية مع الأستاذ محمد حسنين هيكل في أكتوبر 2011،قال فيه ( إن الاعتراف الأمريكي الغربي بالإخوان المسلمين لم يأت قبولا بحق لهم ولا إعجابا ولا حكمة، لكنه جاء قبولا بنصيحة عدد من المستشرقين في مقدمتهم برنارد لويس، لتوظيف ذلك في تأجيج فتنة مذهبية في الإسلام ليستكمل عزل إيران في العالم العربي والإسلامي). وبحسب ما يراه الأستاذ هيكل فإن السياسة الأمريكية حاولت تنفيذ نصائح برنارد لويس عبر توظيف قادة وزعماء عرب لتغيير طبيعة الصراع في المنطقة من صراع ( عربي إسرائيلي ) إلى صراع ( عربي فارسي )، ولكن فشل هؤلاء القادة جعل الإدارة الأمريكية تتجه نحو تشجيع وتوسيع عملية المواجهة بين جماعات سنية وجماعات شيعية وبين مجموعات إسلامية وأخرى مسيحية، مع الاعتراف بحركة الإخوان المسلمين وقبول مشاركتهم فيما كان محظورا عليهم من قبل .
يضاف إلى ذلك أنه أمام عجز الولايات المتحدة عن القضاء على تنظيم القاعدة عبر الأنظمة الحاكمة في المنطقة، ورغم استخدام أحدث وأفتك الأسلحة وتسخير ملايير الدولارات فإنها بدأت تستمع وتستجيب لآراء ومقترحات المستشرقين ومراكز الأبحاث الإستراتيجية التي أشارت بوجوب تسخير جماعات إسلامية أخرى ( معتدلة ) لمواجهة تنظيم القاعدة (الراديكالي )، مما استدعى استئناس أو تدجين هذه الجماعات أولا عبر فتح قنوات سرية معها ثم لا بأس من تسريب أخبار هذه القنوات مما يشكل اعترافا علنيا بهذه الجماعات . وعندها ستحس هذه الجماعات بأنها أصبحت طرفا مهما وتكبر طموحاتها لتصل إلى حد الحلم بالوصول إلى الحكم، فتصبح بسبب فرحتها بهذا الاعتراف أكثر استعدادا للتعاون وتقديم الخدمات، وتنسى شعاراتها السابقة المعادية للأمريكيين، وليس مهما عندها أن تعرف أسباب التغير المفاجئ في الموقف الأمريكي منها .
ولما كانت حركة الإخوان المسلمين هي أقدم هذه الجماعات وأقواها حيث تأسست عام 1928 ولم تستطع الوصول إلى الحكم في أي من الأقطار الإسلامية ( باستثناء إمارة قطاع غزة) ولها فروع في معظم البلدان الإسلامية، ولها قدرة مالية وإعلامية كبيرة – في مقدمتها قناة الجزيرة في قطر، فقد اتجه الأمريكيون مباشرة إلى حركة الإخوان المسلمين . ولكن الحركة وإن كانت قد أظهرت قبولا بالخطوة الأمريكية، إلا أنها لازال يتنازعها تياران قويان أولهما تيار راديكالي لا زال ينظر إلى الولايات المتحدة كعدو ويقول بأنه لا ثقة بأمريكا ولا يرى مانعا في التعاون مع إيران، والثاني يقول بأن الولايات المتحدة قادرة على إيصالهم للحكم فلماذا لا يتحالفون معها ؟ وبعد ذلك لكل حادث حديث كما يقول مبدأ التقية .
إن مجريات الأمور في منطقتنا العربية وخاصة بعد أحداث تونس وليبيا ومصر تقول بأن التيار الثاني في حركة الإخوان المسلمين هو الذي تغلب، وأن تعاونا أو تنسيقا أو عدم تعارض يتم بين الإدارة الأمريكية وحركة الإخوان المسلمين، لم يعد الأمريكيون مضطرين لإنكاره أو التنصل منه، ما دام أنه أصبح يعطي ثمارا تغري بعضا آخر من الجماعات الإسلامية في بعض الأقطار العربية والإسلامية لأن تنخرط فيه .
وهذا يدفعنا إلى التفكير مليا بما قاله فيتالي ناعومكين / رئيس معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية في حديث لوكالة نوفوستي الروسية للأنباء يوم 8 نوفمبر 2011 : (أصبح جليا أن الربيع العربي يغير الحكومات العلمانية إلى حكومات إسلامية ) وعندما قال أن البديل الوحيد للإسلاميين حاليا هو النخبة العسكرية ( لأن العسكريين والإسلاميين هما القوتان الأكثر تنظيما في بلدان الشرق الأوسط حتى الآن، وإلا فأن الفوضى العامة هي التي ستسود ).
ذلك أن التنظيمات الإسلامية أقدر على ضبط أعضائها ولملمة أي تشرذم يحدث داخلها، وتستطيع أن تلزم أعضاءها بتنفيذ القرارات الصادرة عن الجهات القيادية وفرض مرشحين معينين وإلزام الأعضاء بالذهاب إلى مكاتب الاقتراع والتصويت لهؤلاء المرشحين . بعكس الجماعات العلمانية من يسارية وقومية ووطنية التي تعاني من تشرذم يصل إلى حد التسيب والانفلاش، مما يجعلها غير قادرة على ضبط أعضائها للالتزام بمرشحين محددين والذهاب يوم الاقتراع للتصويت لصالحهم .. مما يتيح الفرصة للجماعات ( الحديدية ) وفي مقدمتها الجماعات الإسلامية للفوز . وقد تجلى ذلك عمليا في آخر انتخابات تشريعية في فلسطين عندما فازت حركة حماس، وفي انتخابات المجلس التأسيسي في تونس حيث فازت حركة النهضة .
في الآخر ما يصح إلا الصح
إن ما يجري في المنطقة العربية حراك سريع وعنيف سيؤدي لا محالة إلى تغيير عميق في المنطقة بل والعالم، وهو حراك محفوف بالمخاطر الداخلية والخارجية. وأنا لا أريد أن أغرق في السوداوية وأنا أرى غالبية الحكام العرب يمالئون الإدارة الأمريكية أن لم أقل ينفذون أوامرها، ورغم وجود بعض العملاء أو الانتهازيين وبعض الجماعات الإسلامية والعلمانية التي تريد ركوب موجة الربيع العربي ، ورغم تدافع محترفي المعارضة الخارجية المريحة بغية الوصول إلى الحكم في أقطارهم ولو على ظهور الدبابات الأطلسية.. لأنني أرى في نفس الوقت شبابا ممتلئا إصرارا وحيوية يملأون الساحات العربية بهتافاتهم وشعاراتهم ويضخموها بدمائهم .. هؤلاء الشباب أرى أنهم إذا كانوا ثاروا على ظلم واستبداد حكامهم، فإنهم لن يقبلوا أن تعود بلادهم إلى حقبة الاستعمار المباشر أو الهيمنة من جديد. لقد انكسر حاجز الخوف، واستعادت الجماهير قدرتها على التصدي والتحدي، وعاد نهر التضحية والفداء والاستشهاد إلى الجريان.. والمثل الفلسطيني يقول ( في الآخر ما بيصح إلا الصح ) .
د . واصف منصور/
عضو المجلس الوطني الفلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.