AHDATH.INFO– البيضاء – خاص أنتمي إلى جيل تفتح وعيه السياسي على أسطورة أن الإسلاميين لا تمكن هزيمتهم انتخابيا. حدث ذلك في الثامنة عشرة من عمري حين وطأت قدماي أول مرة ساحة الحركة الطلابية المغربية واستمر طيلة السنوات التي أمضيتها مسؤولا وطنيا عن فصيل الطلبة الديمقراطيين. كانت جماعة العدل والإحسان قوة عددية لا تقهر في الجامعات، ولم نكن نجرؤ كفصائل يسارية على أن نسترجع منها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بنزال صناديق الاقتراع، فكان أغلبنا يكتفي بخطاب هروب سياسي يجرد الطلبة العدوليين من شرعيتهم التقدمية والديمقراطية، وحتى التاريخية. أما طلبة حركة «التوحيد والتجديد» الذين يتبعون الآن لحزب العدالة والتنمية، فكانوا أقلية مثلنا، وكثيرا ما تقاسمنا معهم هموم الاضطهاد العددي لمريدي الشيخ عبد السلام ياسين الذي أنهوا سنة 1996 حكاية القوات الشعبية يوم طردوا قيادة الاتحاد الاشتراكي من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء. والحق يقال أن الإسلاميين أمسكوا بزمام المرحلة حتى خارج الجامعة، لم يكن لديهم حزب في المغرب بعد، لكن عائلتهم الإيديلوجية الكبيرة كانت قد اكتسحت صناديق الاقتراع في الجزائر، وبدأت جماعة الإخوان المسلمين تجد لها مواقع في البرلمان المصري بعد أن أصبحت شريكة في العملية السياسية في الكويت والأردن بسبب ما توفر لديها من قوة عددية في شوارع الغضب من تسلط الزعماء الخالدين. وكلما مرت السنوات إلا وازدادت أسطورة التفوق الانتخابي للإسلاميين تماسكا، عشنا حكاية حزب العدالة والتنمية التركي سنة 2002 وبدأت حسابات الأمريكيين التي منحت حزب العدالة والتنمية المغربي جائزة المسلم الديمقراطي، حتى انتهينا إلى تعقيدات الربيع العربي وباقي تفاصيل حكاية الاكتساح المعروفة بحذافيرها وتفاصيلها. من يستطيع هزيمة الإسلاميين بصناديق الاقتراع؟ لا أحد. إنه السؤال والجواب اللذين عمرا في المشهد السياسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لما يقارب الربع قرن. لكن معادلات ابن خلدون حول تشكل السلطة ثم انهيارها ماتزال تشتغل فوق التاريخ، كل شيء له بداية إلا ومن الضروري أن تكون له نهايته، ونهاية أسطورة التفوق الانتخابي للإسلاميين بدأت تأتي من نفس «الربيع العربي» الذي قاد امتدادات الإخوان المسلمين من المنافي والسجون إلى القصور الرئاسية والبرلمانات الثورية. تتبعت هذه تطورات هذه الدينامية مع السقوط المدوي لجماعة الإخوان السمليمن في مصر خلال الانتخابات الرئاسية التي أسقط فيها الشارع المصري الرئيس محمد مرسي، لكن وبما أن هذا الحدث ظل مثار جدل سياسي أثاره وجود الجيش كطرف في معادلة الهزيمة الانتخابية لإخوان مصر. فقد كان صعبا التسرع باعتماد استنتاجات معبرة، ثم جاءت هزيمة حزب «النهضة» في الانتخابات التشريعية التونسية العام الماضي أمام حزب «نداء تونس» وبعدها عجز قواعد «النهضة» عن قيادة المرشح منصف المرزوفي نحو قصر قرطاج في انتخابات الرئاسة التي فاز بها زعيم «النداء» الباجي قايد السبسي. وحتى في هذه اللحظة بدا لي أن الأمر يتعلق بحالة معزولة ماتزال تحتاج لتكرار تجربة أخرى تؤكد بالفعل أن ناخبي البلدان الإسلامية بدؤوا يبحثون عن وجهة أخرى غير الوجهة التي ظلت ترسمها حكاية «الإسلام هو الحل». ومن تركيا جاءت أنباء ما كنت أنتظره. وذلك حين رفض الأتراك الأحد الماضي تتويج رجب طيب أردوغان «سلطانا عثمانيا» جديدا باسم الديمقراطية. لقد كانت هذه الانتخابات هزيمة لحزب العدالة والتنمية حتى وإن كان قد حصل على أغلبية الأصوات، لأن الهزيمة تكون بقياس الطموح الذي رسمه الحزب الإسلامي لنفسه وليس باحتساب المقاعد، وقد كان هوس أردوغان وإخوانه هو اكتساح الأغلبية المطلقة التي تسمح لهم بتغيير النظام البرلماني إلى نطام رئاسي وفق توجه يعكس كيف أن إسلاميي تركيا بدؤوا ديمقراطيين حين كانوا فتية صغار، قبل أن يشرعوا في التخطيط لخلافة إسلامية على النمط الديمقراطي لما اشتد عودهم وصار أردوغان يقلد لويس الرابع عشر حين كان يردد مقولته الشهيرة «الدولة أنا». لقد كان أول دروس التمرين الديمقراطي للأحد الماضي في تركيا أن الناخبين لم يعطوا الإسلاميين شيكا على بياض، أما درسها الثاني فهو أن خطابا آخر غير الخطاب الإسلامي الديني قادر على نسف مخطط آلة إيديولوجية جهنمية من حجم حزب رجب طيب أردوغان، وفي ثالث الدروس لا يمكن للناخبين أن يضحوا بالديمقراطية من أجل النجاحات الاقتصادية، فمهما كانت تدابير الحكومات ناجحة في السوق التقنقراطية فإن ذلك لا يحميها من غضب الناخبين حين تتوهم أنها قادرة على استعادة نموذج «التنمية أهم من الحرية»، ونجاحات السوق يمكن أن تعوض عن القمع واضطهاد الأقليات السياسية والإيديولوجية. وبعد دروس تركيا نستطيع أن نقول إن ما حدث من هزيمة للإسلاميين في مصر ليس حادثة مدبرة، وأن انتكاستهم في تونس بعد سنوات الحكم التي أعقبت الثورة ليس حادثا معزولا، إن تراخي اللياقة الانتخابية للإسلاميين توجه عام في مرحلة تاريخية جديدة تعيشها الشعوب الإسلامية، وبالنسبة لأبناء جيلي الذين تشكل وعيهم على أسطورة التفوق الانتخابي للإسلاميين يتعلق الأمر بحدث استثنائي يستحق التأمل، أما بالنسبة للسياسيين الذين تهمهم الانتخابات والمعارضات والحكومات والصناديق ففي اللحظة ما هو جدير بالتخلص من عقدة النقص وقدرية الهزيمة. بقلم : يونس دافقير شارك هذا الموضوع: * اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة) * شارك على فيس بوك (فتح في نافذة جديدة) * اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)