كعادته دائما، كان مدير دار الحديث الحسنية، أحمد الخمليشي، حريصا على إعادة عقارب الساعة إلى دورتها المنطقية والتنبيه إلى ضرورة تحري التدقيق في المفاهيم رفعا للبس ودرء لإقحام المغاربة في دوامة التيه. وهكذا، أحجم أحمد الخمليشي عن إلقاء مداخلة حول موضوع المساواة بين الجنسين بين الشريعة والقانون، في إطار ندوة نظمها الجمعة 17 أبريل الجاري بالرباط مركز إشعاع للدراسات الأسرية، حول موضوع "المساواة بين الجنسين: أيّ مقاربة في ظل التحوّلات الراهنة؟"، إذ اعتبر أن العنوان وحده يحمل مغالطة ويتضمن "الكثير من الغموض بل من الدلالات التي تؤثر سلبا على ما نحن بصدده من تنوير لأنه يضع الشريعة والقانون موضع مقارنة وتقابل". وزاد أحمد الخمليشي موضحا موقفه قائلا: "الشريعة شريعة الله ونحن مؤمنون بها، كما نؤمن بالمقابل بأن القانون هو شيء آخر، وفيما القانون هو الذي يُطبق في المجتمع فهذا يعني أن المجتمع تارك للشريعة، وهذا ما يقول به الجهاديون والمتشددون"، ويتذرعون به لارتكاب جرائمهم الإرهابية. وأضاف مبرزا: "لذلك الحري بنا البحث في مفهوم الشريعة، فهناك نصوص الوحي وتفسيرها والمسافة بين النصوص والتفسير عميقة وبعيدة". وأكد الخمليشي :"حينما نتحدث عن نصوص الوحي، فمن التأكيد كل مؤمن هو يؤمن بشريعة الله وبعدالتها لأنها من عند الخالق غير أن التفسير شيء آخر. وحينما نقدم القانون ندا للشريعة نرتكب خطأ كبيرا دون التنبه إلى الأمر". ذلك، لأن المقارنة بينهما، يمضي الخمليشي قائلا :"تدفع إلى التساؤل هل القانون غير الشريعة؟ "، ومن ثمة تصبح كل الأحكام القانونية الصادرة، يوضح الخمليشي، خارج تأطير الشريعة وبالتالي مرفوضة من قبل المسلمين. وهو الخلط الذي حذر أحمد الخمليشي من تبعاته وحث على تجاوزه لإخراج عموم المسلمين من "فصام" يعصف ب"أمنهم واستقرارهم ودينهم". وضرب الخمليشي منبها في هذا السياق، مثالين على ما يمكن أن يتسبب فيه مثل الخلط المفاهيمي والتقابل بين منظومتين، قائلا: "على سبيل المثال، في بلدنا، 90 في المائة من الأحكام القضائية تصدرها نساء أو صادرة عن هيئات قضائية فيها نساء.. وبينما يجيز القانون الوضعي تولي النساء المناصب القضائية فإن المذهب المالكي، الذي هو مذهب المغاربة، يرفض تولي المرأة القضاء. فهل هذا يعني أننا لانطبق الشريعة في بلدنا؟ أيضا، ووفق آخر إحصائيات وزارة العدل، فإن أكثر من 60 ألف فتاة تزوجن دون ولي، فهل هذا يعني أن زواجهن باطل؟ وهل هذا يعني أن ما سينجبنه من أبناء هم تبعا لذلك أبناء زنا؟ ". وحض أحمد الخمليشي في هذا السياق على ضرورة التنبه إلى تبعات الجهر بالتقابل القائم أو المزعوم بين الشريعة والقانون، واعتبر أنها "مسؤوليتنا التي أهملناها والتي تهدد عقيدتنا وأمننا.. فنحن لم نبحث عن طريقة لتفسير الشريعة بما يتلاءم مع القرن الواحد والعشرين" مما فتح الباب على مصراعيه أمام انتشار "وسيلة وحيدة شبه فوضوية هي الفتوى" يقول أحمد الخمليشي. وفي هذا السياق، أوضح أحمد الخمليشي أن الفتوى تظل رأيا خاصا لايمكنه أن يشكل بأي شكل من الأشكال رأيا موحدا للأمة في الشريعة. وأكد على مبدأ حقّ الاختلاف بيْن الناس، كل حسب اعتقاداته وقناعاته وتمثلاته للقيم والمبادئ . واعتبر أن الحل الأمثل لتجاوز المأزق، الذي تتسبب فيه المقابلة بين الشريعة والقانون هو "إيجاد الوسيلة التي تتيح تقرير الحكم بصفته حكما شرعيا وملزما". ودعا الشباب، الباحثين والدارسين والمشتغلين بحقلي الفقه والقانون، إلى "اجتناب المسيرة التي ذهبنا فيها.. نحن كان اشتغالنا مؤطرا بالجدالات والتجاذبات والفتاوى أيضا ولم نعمل على تطوير اشتغالنا على الشريعة وفق منظور مغاير ومتقدم يساير العصر. واشتغلنا على الاجتهادات القديمة التي تعود إلى 14 قرنا الآن.. مهمتكم أيها الشباب هو جعل الشريعة صالحة للعصر.. فالشريعة موجهة لكل جيل. وكل جيل مسؤول على تبيان أحكامها.. نصوص الوحي معروفة ونحن مسؤولون عن فهمها وتطبيقها من خلال التوصل والاتفاق على وسيلة تقرر الحكم الشرعي الملزم".