يسميه المغاربة « النكير» إنها ملاحظات قوية ومحرجة تنطلق بين الزوجين لتعكر صفو حياتهما.. وتزداد حدة السلوك عندما يكون أحد الطرفين يعيش حالة فراغ، تجعله يتربص بشريكه في حركاته وسكناته. عندما يتعرض الأزواج إلى «نكير» زوجاتهم فإنهم يتركون البيت بحثا عن مكان يستعيدون فيه هدوء أعصابهم التي انفلتت تحت وابل من الملاحظات «التافهة»، أما الزوجات فإنهن غالبا ما يصممن آذانهن عما يتفوه به الأزواج تفاديا للتصادم. أسئلة لا تنتهي.. «فين مشيتي اليوم.. أشنو درتي.. علاش تعطلتي..» سلسلة من الأسئلة تستقبل بها الكثير من الزوجات أزواجهن مع أول خطوة يضعونها بالبيت.. هذه الأسئلة قد تبدو في البداية دليل اهتمام.. إلا أن الأمر مع تكراره يتحول إلى مشكلة بين الزوجين.. عندما تعرفت ابتسام على زوجها، كانت قليلة الكلام، مبتسمة طوال الوقت، ولا تخفي تماما ثقتها بزوجها. لينقلب الهدوء إلى شجار يومي، والثقة إلى أسئلة لا تنتهي .. والابتسامة إلى وجه مقطب كلما رفض زوجها أن يجيب على أسلتها المملة. زوج ابتسام، لم يعد قادرا على إخفاء تذمره من «نكير» زوجته، وتدخلها في شؤونه الخاصة المرتبطة بالعمل أساسا. « منذ ثلاثة سنوات ونحن نعيش تحت سقف واحد، لكن السنة الأخيرة تحول الحب والمودة إلى ملاحظات لا تنتهي ولا شيء يوقفها، ملاحظات قد تكون جارحة وأخرى إذا فكرت فيها قد أفضل إنهاء زواجي» يقول أحمد زوج ابتسام. وعلى الرغم من حداثة عهد ” أحمد وابتسام ” بالزواج إلا أنه يؤكد أنه أصبح يعيش في ملل وضجر من «نكير» زوجته الذي لا ينتهي. «بعد كل شجار مع زوجتي، أحس كما لو أن الزواج هو مرادف للعذاب .. » هكذا ينظر أحمد إلى تداعيات السلوك الذي تمارسه زوجته عليها. لكنه يشدد على فكرة الحوار الذي يؤمن به كوسيلة لحسم الخلافات. ومهما بلغت درجة وعي الطرفين بضرورة الحوار الذي يشدد أحمد على وجوده، باعتباره وسيلة لرفع الالتباس وسوء التفاهم الذي يمكن أن يحدث جراء عدم إنصات طرف للطرف الآخر، فإن «نكير» الأزواج تبقى ظاهرة صحية، لأنها في مضمونها معركة من أجل تقارب وجهات النظر وإيجاد أرضية مشتركة للتعايش تحت سقف واحد، كما أنها وسيلة لتصريف شحنات الغضب الذي يعتمل داخل كل طرف. الفراغ.. و” النكير” الحقيقة أن ما تعيشه ابتسام تعاني منه العديد من الزوجات، وبشكل خاص داخل العلاقات الزوجية التي تمتد على سنوات، أو التي لا تعرف أي تجديد في تفاصيلها. بصوت قوي لا يخفي حزنها على ما آلت إليها حياتها الزوجية، بعدما تحولت يومياتها وزوجها إلى مسلسل من المشاكل المرتبطة أساسا بملاحظات حول تدبير أمور البيت. هكذا تلخص ” خدوج ” تفاصيل حياتها اليوم مع زوجها الذي تغيرت طباعه بشكل كلي بعدما حصل على التقاعد. بلهجة صارمة تقول ” خدوج ” إن زوجها لم يكن يعرف شيئا مما يجرى داخل البيت عندما كان يعمل كموظف بإحدى المؤسسات البنكية، قبل أن يتقاعد ويتفرغ للأمور اليومية التي كان يرفض أن يناقشها مع زوجته رغم إلحاحها، واليوم تغير كل شيء أصبح يتدخل في كل كبير وصغيرة. ترى ” خدوج” أن الفراغ الذي أصبح يعيشه زوجها هو الذي يجعله يهتم بالأمور التي لم تكن تثير اهتمامه من قبل. وقد حاولت لفت انتباهه إلى هذه المسألة، لكنه كان يتعامل مع الوضع بكثير من الحساسية، التي تزيده عنادا وإصرارا على التمسك بمواقفه المزعجة أكثر من قبل، الشيء الذي جعلها تطلب تدخل أطراف من العائلة قصد إقناعه بالتفكير في ممارسة نشاط رياضي أو جمعوي يتناسب ومؤهلاته البدنية لتصريف هذه الطاقة التي أنهكت نفسية زوجته. والواقع أن حال زوجات كثيرات لا يختلف عن الحاجة خدوج، حيث تنتهي علاقة الزوج بالعمل بعد سنوات طويلة، لتبدأ مرحلة جديدة من التدخل في كل كبيرة وصغيرة من شؤون البيت... بدءا من طريقة طبخ الطاجين إلى تنظيف الثلاجة مرورا ب« الصابون»... ” النكير ” لتغطية أشياء أخرى تعترف بعض الزوجات بأن الجحيم الذي يعشنه داخل مقرات عملهن، يجعلهن أحيانا أقل تفهما لبعض السلوكات التي تصدر عن الأزواج. وشأنهن في ذلك شأن شركائهن أنفسهك. أمور بسيطة تثير أعصابهم وتجعلهم يثورون بسببها. ومهما اختلفت درجة غليان العديد من الأزواج التي تخفي وراءها أمورا جوهرية، تعد في الأصل سبب الخلافات بين الشريكين، فإنها مع ذلك تعد مؤشرا على عدم الانسجام والتوافق بين الطرفين. وتذهب بعض الزوجات إلى أبعد من ذلك، حيث يؤكدن على أن العديد من الأزواج لا يملكون الشجاعة الكافية لطرح نقاط الاختلاف على طاولة الحوار، مما يجعلهم يصرفونها في شجارات مفتعلة، تخفي وراءها أسبابا غير تلك التي تبدو في الظاهر. « راجلي كيوقع ليه مشكل في الخدمة وكيدور فيا» تحكي راضية. فقد تأكدت من خلال التجربة أن زوجها تعود على تفريغ شحن غضبه بسبب العمل من خلال » النكير» وافتعال الشجارات. فتصبح «الماكلة المسوسة» التي يوصي دائما بها طعام لا يتذوق ويتحول المسلسل الكوميدي الذي يحبه إلى ضجيج لا يحتمل. مشاهد يومية يعيش فصولها الزوجان، مما يجعل الحياة بينهما حلبة صراع يتبادلان من خلالها الاتهامات. أما الواقع فيخفي بين ثناياه قلقا داخليا يترجمه الشريك بصب جام غضبه على أمور تافهة وسطحية، بينما تبقىالأمور الجوهية عالقة.. رحاب حنان