كيف قتل القذافي؟. لماذا يصمد هذا السؤال بالرغم من مرور حوالي يومين من نهاية طاغية ليبيا؟ الجواب مبثوث في مختلف الروايات التي قدمت حول الرصاصة التي اخترقت رأسه، بعدما طافت صور تظهره حيا، بين أيدي الثوار. مصدر الرصاصة وتصريحات المسؤولين في المجلس الانتقالي، والتصريحات التي أدلى بها مجموعة من الثوار للقنوات والوكالات كلها لفت جزءا لم يجعل الحقيقة كاملة. القذافي قتل القذافي في الأسر الخبر عاجل.. عاجل... عاجل.. تسمر المشاهدون للقنوات والمتابعون للمواقع في انتظار تفاصيل عن خبر صغير، ورد بصيغتين الأول يعلن أسر القذافي والثاني يعلن مقتله، بعدها تحول الخبر العاجل إلى سلسلة من الأخبار النووية، كلها تتأرجح بين تأكيد مقتله ونفيه، المتابعون لهذا الخبر الثقيل، لم ينجحوا في الخروج برواية فاصلة. التلفزيون التابع للمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا، أعلن صبيحة الخميس أن القوات الموالية لحكام ليبيا الجدد تمكنت من اعتقال الزعيم «الهارب»، معمر القذافي، في مدينة «سرت»، التي أحكمت القوات الليبية سيطرتها عليها، وكان هذا هو أول خبر لما سيتوالي من أخبار، حيث تعددت الروايات وتسارعت بشكل سريع. ورفض المتحدث العسكري باسم المجلس الانتقالي، عبد الرحمن بوسين، تأكيد تلك الأنباء، وقال لCNN إن التقارير التي تتحدث عن اعتقال القذافي «ليست إلا مجرد شائعات»، كما شكك المصدر نفسه في أن يكون القذافي موجوداً في سرت، أو حتى بالقرب منها. وفي وقت لاحق، قال مسؤول بالمجلس الانتقالي إن شخصاً وصفه ب«صيد ثمين»، تم اعتقاله في سرت، دون أن يكشف ما إذا كان هذا الشخص هو القذافي أم أحد أبنائه أو مساعديه. تضارب المعطيات سواء داخل ليبيا أو خارجها تبعه خبر بثته قناة «الأحرار» التلفزيونية التابعة للمجلس الانتقالي الليبي، أعلنت فيه أن الزعيم المخلوع معمر القذافي قتل، غير أنها لم تذكر المصدر، كما أنها أكدت أنه لا يمكن التأكد من صحة الخبر من مصادر مستقلة. القذافي بين الاعتقال والقتل رغم عدم تأكيد الخبر بالمطلق، إلا أن كل الأنباء المتوترة بدأت تتجه نحو تأكيد أسر أو مقتل الزعيم الليبي المخلوع في سرت، ومن بينها ما أكده وزير الإعلام في الحكومة الليبية الحالية، محمود شمام وزير الإعلام الليبي، خرج ليقول إن الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي قُتل خلال هجوم لقوات المجلس الوطني الانتقالي، وقال شمام لرويترز: إنه قتل خلال هجوم لمقاتلي المجلس، وإن هناك دليلاً مصوراً على ذلك. من جهته، قال مسؤول بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي: إن جثة القذافي ستُنقل إلى مكان سيبقى في طي الكتمان، لأسباب أمنية. وقال محمد عبد الكافي المسؤول بالمجلس الانتقالي بمدينة مصراتة لرويترز: «جثة القذافي بحوزة وحدتنا في سيارة، وسننقلها إلى مكان لن نعلن عنه، لأسباب أمنية، وكانت تقارير تلفزيونية قد أكدت أن الثوار قتلوا القذافي، حيث عُثر عليه في حفرة داخل أحد البيوت القديمة بمدينة سرت. وبالرغم من تصريحات المسؤولين التي كانت تشير إلى تحكمهم في سيناريو أسر وقتل القذافي ، فقد توالت التكهنات تباعا ، قبل أن تنزل صور غير واضحة تظهر وجه القذافي تتلقفه الأيادي في جو مشحون بالحماسة والتوتر، حينها ثبت أن خبر اعتقاله حيا صحيح بلا شبهة، ولأن الصور كانت هاوية وخامة، لم يكن من الممكن الحصول على تتابع للمشاهد، لكن بعد فترة تظهر صورة تؤكد الخبر الأول عن مقتله. سيناريو المشهد الحقيقي يتشتت المصادر التي روت ما حدث بالفعل، تعددت، وبدت القنوات التلفزيونية في حرب محمومة للحصول على سبق رسم مشهد اعتقال القذافي وقتله، وبدأت روايات الثوار الذين ظهروا في مشهد القبض على القذافي في التناوب على رواية المشهد، في البداية قال الثوار الليبيون إن القذافي قتل عندما هاجموا منزلاً كان مختبئاً فيه الخميس، وهي الرواية التي ذكرها وزير الإعلام الليبي. قناة الجزيرة فى مداخلة هاتفية للناطق العسكري باسم جيش التحرير الوطني «وزارة الدفاع الليبى» أكد أنه تم قتل القذافي بعدما حاول المقاومة فى بادىء الأمر، وبعدها سيقول عبد المجيد سيف النصر عضو المجلس الانتقالى الليبى إنه تم القبض على القذافى من قبل الثوار بمدينة سرت بعدما خرج عند الفجر، من الحي الثاني بسرت من سرداب، محاولا تمويه الثوار من خلال 35 سيارة بينهم 5 سيارات مصفحة تم إلقاء القبض عليها من قبل الثوار. خالد العلاقي عضو اللجنة الأمنية العليا لمدينة طرابلس – الذي يتواصل مباشرة مع الناتو لتنسيق العمليات، قال إن المعتصم نجل القذافي وعبد الله السنوسي رئيس مخابرات القذافي وأبو بكر يونس وزير دفاعه كانوا ضمن هذا الرتل وتمت إصابة وقتل بعضهم. الناتو في قلب العملية منذ البداية، وردت أخبار تتحدث عن الخيط الأول للعملية التي عجلت بنهاية القذافي، الأمر يتعلق بدور حلف الناتو في كشف رتل السيارات رباعية الدفع التي كانت تتجه خارج مدينة سرت التي شهدت قتالا ضاريا، وقصفا عنيفا، جعل أحد أقرب المقربين من القذافي، مماثلا في رئيس حرسه الشعبي، يروي الحصار الذي ضرب على الحي الذي كان يوجد به القذافي، ومحاولة خروجه منه، وانقسام المجموعة التي كانت معه، قبل أن يصاب ويفقد الوعي، ليضيع الجزء الأخير من روايته للحدث كاملا. غرفة عمليات حلف الشمال الأطلسي «الناتو» أعلنت في البداية أن القذافي مصاب وهو في قبضة الثوار ، في إشارة إلى أنه أصيب أثناء قصف الحلف للموكب الذي خرج من سرت في طريقه الى مصراته، في المقابل، نقلت شبكة «سي إن إن» الاخبارية الأمريكية عن مسؤول رفيع المستوى في حلف شمال الأطلسي «الناتو» قوله إن التأكد من نبأ اعتقال العقيد معمر القذافي سيحتاج المزيد من الوقت والجهد. وفي فرنسا التي شاركت منذ البداية بفعالية في الحرب على القذافي، جاء الحسم من خلال تصريح لمسؤول رفيع المستوى للقنوات الفرنسية، قال فيه أن طائرات من حلف الناتو قصفت الموكب الذي كان القذافي يوجد معه، وأن طائرة واحدة فرنسية من نوع «ميراج» على الأقل شاركت في العملية. المعلومات التي كانت متوفرة حينها تفيد أن القذافي وأعوانه حاولوا الفرار من «سرت» قبل صلاة فجر يوم الخميس، وكانوا في موكب يضم عشرات السيارات- وربما 100 سيارة. وقد تدخّل طيران حلف الأطلسي ل«إيقاف القافلة»، كما صرّح وزير الدفاع الفرنسي الذي قال «إن طائرات فرنسية أوقفت موكبا كان يقل معمر القذافي إلى خارج معقله في مدينة سرت يوم الخميس قبل مقتله، مع أنه حرص على تأكيد أن الطيران «لم يقصف» موكب القذافي!! حينها بدا أن الغموض يلف هذا الجانب كذلك، سواء في شكل التدخل أو نوع الأسلحة التي استخدمتها الطائرة الأطلسية لإيقاف القافلة، واستدل القائلون بثبوت وجود ضربة من طرف حلف الناتو بوجود حوالي 50 جثة متفحّمة في القافلة. وقيل حينها إن الأرجح أن يكون «إيقاف القافلة» قد تمّ بواسطة المدافع الرشاشة لطائرات هليكوبتر مثلاً، بدليل عدم وجود الحفرة التي يتسبّب بها القصف بصاروخ، وداخل الشاحنات كان رفات السائقين الذين تفحموا والركاب الذين قتلوا على الفور في الضربة، مازال على المقاعد. وبعض الجثث الأخرى رقدت وقد بترت أجزاء منها وأصبحت مقلوبة على العشب. ويوجد نحو 50 جثة بصفة إجمالية.. وفي واشنطن أعلن مسؤول أمريكي «لفرانس برس» أن طائرة بريديتور أمريكية بدون طيار أطلقت صاروخا علىالموكب الذي هاجمته طائرة «الميراج» الفرنسية بالقرب من سرت. وقبل ذلك، أعلن حلف شمال الأطلسي في بيان أن طائراته قصفت آليات لقوات موالية للقذافي في حوالي الساعة 8,30 (6,30 ت غ) في ضواحي سرت. ماذا حدث بعد «إيقاف القافلة» في هذه النقطة كذلك، تضاربت الروايات، بين الثوار الذين أرادوا تجميع أجزاء صورة القضاء على الدكتاتور لصالحهم، ونفى عدد منهم دورا للناتو في القبض على القذافي، بل تعددت روايات كتائب مصراتة وغيرهم لنسب لحظة الحسم لفائدتهم ، لكن المحللين يذهبون إلى فرضية أن يكون مراقبو حلف الأطلسي هم الذين أرشدوا الثوار إلى مكان القافلة، فتقدّم الثوّار لأسر القذافي ورجاله. ويستطرد المحللون في رسم الصورة بالقول إنه لا بدّ أن يكون الثوار قد تعرّفوا إلى مكانه حينما صرخ أحد حراسه: «سيدي هنا سيدي هنا»، «معمر القذافي هنا وهو جريح»!، كما يمكن أن يكون القذافي قد أمر حراسه بعدم إطلاق النار، أملاً في البقاء على قيد الحياة، وبعدها تم أسره، ثم قتله وهو أسير. وفي تفصيل الصورة، أن القذافي نفسه وحفنة من رجاله نجوا من الموت وفروا فيما يبدو وسط مجموعة أشجار نحو الطريق الرئيسي واختبؤوا في أنبوبي صرف، لكن مجموعة من الثوار كانت تسير على دربهم في نفس الاتجاه. وقال سالم بكير «في البداية أطلقنا النار عليهم من مدافع مضادة للطائرات لكنها لم تكن مجدية». وأضاف «ثم توجهنا إليهم سيرا على الأقدام.» وقال لرويترز «أحد رجال القذافي جاء وهو يلوح ببندقيته في الهواء ويصرخ مستسلما، لكن بمجرد أن رأى وجهي بدأ يطلق النار علي»، وقال بكير «ثم اعتقد أن القذافي لابد أنه أمرهم بأن يتوقفوا. «سيدي هنا سيدي هنا». «معمر القذافي هنا وهو جريح». وأضاف بكير «توجهنا إلى هناك وأخرجنا القذافي. كان يقول «ما الخطب. ما الخطب. ما الذي يحدث .. ثم أخذناه ووضعناه في السيارة». وأكد بكير أنه في وقت القبض عليهم كان القذافي جريحا بالفعل بأعيرة نارية في الساق والظهر. وأكد مقاتلون اخرون ذكروا أنهم شاركوا في القبض على القذافي في تصريحات منفصلة رواية بكير للأحداث لكن أحدهم قال إن الرجل الذي حكم ليبيا لمدة 42 عاما ضرب بالرصاص وجرح في اللحظة الأخيرة بواسطة أحد رجاله. وقال عمران جمعة شوان «أحد حراس معمر القذافي ضربه بالرصاص في صدره.» التسجيلات المصورة تظهر القذافي وهو يترنح جريحا لكنه كان لايزال على قيد الحياة ويلوح بيده أثناء جره من شاحنة بواسطة حشد من جنود الحكومة الغاضبين الذين كانوا يوجهون إليه الضربات ويجذبونه من شعره. تجميع شتات صورة الأسر والقتل حين خرج محمود جبريل للإعلان عن مقتل القذافي، وتأكيد الخبر بشكل رسمي، أهم سؤال بقي يتردد في كل العواصم، كيف قتل القذافي؟ وأجاب بأنه قتل أثناء المواجهة، مرجئا التفاصيل إلى حين وصول تقرير الطبيب الشرعي، وفي المقابل توالت التفسيرات بين جهتين، الأولى يمثلها الثوار الذين كانوا يتدافعون في جو من الحماسة لتقديم ما يعتبرونه صورة حقيقية لما جرى، وتذهب كلها في تأكيد اعتقاله حيا، ثم قتله بعد ذلك، وبين رواية رسمية تحاول التأكيد على مقتل القذافي في المواجهة، سواء أثناء محاولة القبض عليه أو حين قبض عليه وكان يحاول الفرار، أو الرواية التي تفيد بأنه حين اعتقاله، حاول بعض من أنصاره تخليصه من أيدي الثوار، وخوفا من ضياعه منهم، تم قتله. وبعد تضارب الروايات بين المسؤولين في المجلس الانتقالي، والثوار، بدأت مصادر تخفي هويتها، تروي ما جرى، حيث أفادت مصادر أن الثوار لم يمتثلوا للتعليمات المعطاة لهم بضرورة ضبط النفس ومحاولة اعتقاله حيا، غير أن أحد المقاتلين التابعين للمجلس الإنتقالي أطلق رصاصة بشكل مباشر على القذافي في منتصف رأسه من مسافة قريبة جدا، فمات على الفور. صور الفيديو التي تناقلتها المواقع بشكل متوتر، دخلت على خط تقديم الرواية الأقرب للحقيقة، الصور أظهرت القذافي في البداية وهو يرتدي زيا عسكريا والدماء تسيل من فمه، وبحوزته مسدسان شخصيان وحقيبة شخصية من بينها هاتف الثريا. الصور المريعة التي تم تداولها لاحقا تظهر القذافي مخضبا بالدماء ويتعرض للضرب والجر من الشعر في جو من الفوضى، وبالرغم من عدم وضوحها إلا أنها تقدم مؤشرات على كيفية قتله، فقد كان حيا حين إلقاء القبض عليه، وتظهر الصور القذافي وهو يخرج من سيارة، ويدفع في الأرض، وتسمع في الشريط أصوات تدعو إلى إبقائه حيا، تخترقها أصوات الرصاص ، وبعدها تختفي الصور التي تصور القذافي ، في حين استمر دوي إطلاق الرصاص. فالقذافي اعتقل حيا، تعرض للضرب وبعدها تعرض للقتل، هي ذي الرواية التي نقلتها وكالة رويترز عن مسؤول رفيع في المجلس الانتقالي. الصور تثبت شيئا مؤكدا، وهو أن الرواية الرسمية للمجلس الانتقالي كما قدمها محمد جبريل وغيره، تتعارض مع تسلسل الصور، وإن كانت الرواية الرسمية حاولت حصر لحظة القتل في الزاوية الغامضة من الصور، وربطها باشتباك بين الثوار ومناصرين للقذافي أثناء محاولة نقله في سيارة نحو مصراتة. الرصاصة التي اخترقت رأس القذافي، موجودة في الواقع وفي تقرير الطبيب الشرعي، لكن، من أين جاءت؟ وكيف جاءت؟ هي السر في نهاية الفيلم. فهل ستظهر الحقيقة كاملة، أم ستكون شبيهة بنهايات سابقة تحكمت فيها حسابات سياسية وأمنية واستراتيجية؟ لننتظر.