شابات مقتدرات وجدن أنفسهن مضطرات للارتماء في أحضان العنوسة، بعد أن سيطر عليهن الخوف من أن يكون الدافع المادي السبب وراء عروض الزواج التي تنهال عليهن من كل صوب. كلما تقدم بهن العمر زاد إصرارهن على عدم التنازل عن الشروط التي وضعنها لشريك الحياة المنتظر، وذلك لضمان عدم الوقوع فريسة للاستغلال بعد الزواج. يستغرب كل المحيطين بها رفضها الارتباط، وهي التي تنهال عليها عروض الزواج منذ أن كانت مراهقة، نظرا لما تتمتع به من جمال أخاذ و«حداكة» استثنائية، إلى جانب المنصب المهم الذي تشغله بإحدى الشركات وتتقاضى من خلاله أجرا مرتفعا، مكنها من تحقيق استقلاليتها التامة. تتوفر كوثر ذات الخامسة والثلاثين سنة، بفضل وظيفتها على سكن مستقل وسيارة، بعد أن تمكنت من إثبات وجودها والنجاح في مجال عملها، نجاح لا قيمة له في نظر أسرتها مادامت لم تدخل إلى اليوم القفص الذهبي. مضربة عن الزواج «ما بقيتش قادرة ندير الثقة فشي راجل»، بنبرة لا تخلو من حزن وحسرة تتحدث كوثر في استحياء عن السر وراء رفضها الزواج. سر فضلت عدم تقاسمه مع أقرب الناس إليها وإبقاءه حبيس ضلوعها. تعرضت كوثر قبل سنوات للنصب باسم الحب على يد رجل أوهمها بصدق مشاعره ورغبته في الارتباط بها، ونجح في كسب ثقتها، والحصول منها على مبلغ 20000 درهما، ادعى آنذاك أنه يحتاجه لدفع «تسبيق» شقة الزوجية التي ستتقاسم معه ملكيتها، قبل أن يختفي فجأة من حياتها، تاركا إياها تتخبط في الندم والإحساس ب«الشمتة». تجربة مريرة تركت جرحا غائرا في قلب كوثر، التي لم تتجاوز حتى اليوم معاناتها النفسية، وأصبحت تشك في نوايا كل من يتقدم لخطبتها، وتتخوف من أن يكون الدافع المادي وراء رغبته في الارتباط بها. «كيخلصوك مزيان فهاذيك الشركة ولا غير شوية؟»، عبارة تصدر بعفوية عن الشخص الذي يحاول التقرب منها وكسر حاجز الحرج والرسمية في التعامل. لكنها تشكل ناقوس الخطر بالنسبة لكوثر، التي يسيطر عليها الشك وتحاصرها الأفكار السوداوية، ما يدفعها إلى إلغاء مشروع الزواج. «أنا ما حاسة حتى بشي نقص غير بنادم اللي معاطينيش التيقار»، تقول كوثر مقطبة حاجبيها، فالمعاناة مع العنوسة بالنسبة إليها تتلخص في آراء المحيطين بها، بدءا بوالدتها التي تصر على تذكيرها بتضاؤل فرصها في الزواج مع تقدمها في السن، وتتردد على مسامعها باستمرار بأن سعادتها كأم لن تكتمل إلا بارتباطها ب«ولد الناس» وبرؤيتها لأحفادها قبل رحيلها إلى دار البقاء، وانتهاء بآراء الأقارب والأصدقاء. فلقد ذهب العديد من معارف كوثر في تفسيره لسبب عدم ارتباطها إلى حد ربط المسألة بتعرضها لشكل من أشكال السحر ما جعلهم ينصحونها بالاستعانة بخدمات المشعوذين لفك السحر المزعوم، بينما وصل البعض الآخر إلى حد التشكيك في عفتها، وحفاظها على شرفها، وهو الأمر الذي زاد في تعميق معاناتها النفسية، وجعلها تمتنع حتى عن حضور حفلات الزفاف التي تقيمها قريباتها وصديقاتها، حتى تتفادى أسئلتهن المبطنة بالتشفي والسخرية من وضعيتها ك«عانس». مغرورة في نظر الآخرين عكس كوثر، لا تعير هند أي اهتمام لآراء الآخرين، وتصر على عدم التنازل عن الشروط التي وضعتها ل«فارس أحلامها» بالرغم من كونها تجاوزت عتبة الثلاثين من العمر، ما جعل منها إنسانة مغرورة في نظر المحيطين بها. “لست مستعدة للتكفل بزوجي وبأسرته” تقول هند بلغة موليير، وهي تمرر أصابع يدها بين خصلات شعرها الأسود المنساب على كتفيها، فالشابة التي تعمل مهندسة بإحدى الشركات الخاصة ترى أن النتيجة الحتمية للزواج من شخص يتقاضى دخلا أقل ولا يشغل منصبا بنفس أهمية منصبها هي تعرضها للاستغلال المادي من طرفه ومن طرف أفراد عائلته. قبل أن تقول كلمتها الحسم في مسألة الارتباط، كانت هند تصر على إخضاع كل من يتقدم لطلب يدها لاختبارات تعتبرها ضرورية للتأكد من صدق نوايا الزوج المفترض وتحديد قيمتها في عينيه. كانت هند تشترط الحصول على خاتم خطوبة باهض الثمن، وتتعمد التنقل رفقة الخطيب بين محلات الملابس والمجوهرات والعطور، في محاولة لقياس مدى كرمه، بينما لا تفوت فرصة للتأكيد على عدم نيتها في أن تتقاسم معه أعباء الحياة وبأن راتبها بالكاد يكفي لاقتناء ما تحتاج إليه من ملابس ومستحضرات تجميل. بمجرد أن تلمح هند شيئا من التردد في عيني الخطيب في مسألة اقتناء الهدايا، تزداد قناعتها بعدم جدوى الاستمرار في تلك العلاقة، لأن عدم حصولها على هدايا باهضة الثمن خلال فترة الخطوبة يعتبر في نظرها الدليل القاطع على بخل الزوج ونيته في استغلالها ماديا بعد الزواج. لم يستغ كل المحيطين بهند أسلوبها في التعامل مع من يتقدمون لخطبتها، وحاولوا إقناعها بضرورة التخلص من الشكوك والخوف من الوقوع فريسة لطمع الرجال، لكن الشابة مازالت مصرة على تجاهل آرائهم، معتبرة أن ارتفاع دخل الخطيب وإغداقه المال والهدايا عليها بسخاء الوسيلة الوحيدة التي تضمن لها عدم تعرضها للاستغلال المادي بعد أن تصبح «مرات الراجل». شادية وغزو