AHDATH.INFO – خاص الآن، وبعد أن تم بث حلقة "حديث العواصم" على قناة فرانس 24، يمكننا أن نتحدث ببعض الهدوء عن الواقعة. رسميا، تحدث بلاغ وكالة المغرب العربي عن "ضبط طاقم صحفي (…) وهو يقوم بتصوير برنامج بطريقة سرية بإحدى الفيلات بالرباط". طبعا، في بلدان قريبة، قد ننتقد في سياساتها الكثير، لكنها موضوعيا سبقتنا في مسيرتها الديمقراطية والحقوقية (بلجيكا، اسبانيا، فرنسا…)، لا يحتاج المرء لأي تصريح لكي يصور برنامجا، إلا إذا كان ذلك التصوير ستترتب عنه عرقلة لحق المواطنين في فضائهم العام (إقفال حديقة في وجه العموم، عرقلة حركة السير…)، وهو الأمر الذي يتطلب عددا من التصاريح حسب حجم العرقلة التي سيتعرض لها المواطن. ما عدا ذلك، فالتصوير حر في الفضاءات العامة والخاصة. الآن، سنعتبر أننا على أرض المغرب وعلى القنوات أن تتعامل معنا من منظور قانوننا الوطني. هذا أمر مفهوم طبعا، لأن القوانين تبقى فوقنا جميعا. الواقع أن قناة فرانس 24 معتمدة بالمغرب، وبرنامج "حديث العواصم" يعده ويقدمه الصديق جمال بودومة في المغرب منذ سنة ونصف اعتمادا على الترخيص الذي تتوفر عليه القناة، ودون طلب ترخيص خاص لكل تصوير؛ وقد استضافت إحدى حلقاته السابقة وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد. ساعتها طبعا، لم "تباغت السلطات تصويرا سريا في فيلا"، رغم أن شروط وظروف التصوير كانت هي نفسها. سلطاتنا تعتبر إذن أن تصوير الحلقات السابقة للبرنامج تم بشكل غير قانوني (على أساس أن اعتماد القناة غير كاف). سنسلم أيضا بأن استمرار وضع غير قانوني لمدة سنة ونصف لا يمنحه، بالفعل، شرعية الوجود. لكني أتصور أن الدولة، عبر مؤسساتها، حين تسمح بوجود وضع تعتبره غير قانوني لمدة شهور طويلة، وتقرر أن تصححه، فالمفترض فيها أن تصححه بشكل قانوني، وليس بتلك الطريقة الفجة التي تمت بها الأمور مساء الجمعة، والتي عايشتها بشكل مباشر باعتباري كنت ضيفة للبرنامج. لا أدافع عن الفوضى. كنت وما زلت أؤمن بأن القانون فوقنا جميعا. لكني أرى بأن تدبير الموضوع تم بشكل غير قانوني وغير لائق. مَنْعُنا من مغادرة الفندق، كفريق وكضيوف، ولو لمدة قصيرة، تم بشكل غير قانوني. بالفعل، فيما بعد، أخبر الباشا الضيوف، وأنا منهم، أنه بإمكاننا الانصراف؛ واخترنا بمحض إرادتنا البقاء تضامنا مع زملائنا. لكن احتجازنا في مرحلة أولية، تُم الإصرار على احتجاز الفريق والشريط في مرحلة ثانية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون تصحيحا لوضع غير قانوني. من ناحية ثانية، فإن القاموس الذي استعمله البلاغ الرسمي كان يحمل في طياته الكثير من المغالطات ("مباغتة"، "تصوير سري"، "فيلا في حي السويسي") التي تترجم غير قليل من سوء النية، والتي لا أجد لها من مبرر من طرف مؤسسات تبتغي تصحيح وضع قانوني. لا يمكننا اليوم تفادي ربط ما حدث بتوتر العلاقات المغربية الفرنسية (علما أن القناة في ملك الخارجية الفرنسية). لكني لا أعتقد أنه من صالح الدولة، أية دولة، تصريف مواقفها الدبلوماسية بهذا الشكل الفج الذي يخدم الخصوم قبل أن يخدم البلد. إنه ليس دفاعا عن فرانس 24 التي أجدها فعلا غير موضوعية في تعاطيها مع الشأن المغربي. كما أني لا أتبنى الخطاب الثورجي، بل وأنتقده في أغلب الحالات. لكني بالمقابل متشبعة بانتمائي لهذا الوطن، وبحلم المغرب الديمقراطي الحر المتعدد الذي يعرف تعثرات، لكنه عموما يُعبد طريقه. بأخطائه وبإنجازاته. وللأسف، مثل هذه العثرات تؤذي الوطن أكثر مما تغنيه. كما أنها، أحيانا، قد تصنع لنا أبطالا من ورق.