نبيذ روحي يصنع بطبل وخشبتين وقرقاب وكمبري، آلات موسيقية تراثية تسمو بأصحابها الى عالم الدراويش حيث الترانيم الالهية والاناشيد الصوفية، انهم كناوة قصر السات بواحة فركلى باقليم الرشيدية الذين ينشدون قيم الحرية والأخوة والتعايش. "عبيد" ملكوا أنفسهم للحب الالهي ولعشق رسوله الكريم صلوات الله عليه وسلامه وآل بيته الكرام، (كناوة ذكر مولانا يا العفو- العفو يا رسول الله/ بركة للا فاطمة يا العفو- العفو يا رسول الله) و(سلام عليكم طالب ضيف الله/ سلام عليكم نزوروا النبينا) بسطاء يرضون بالقليل ولا يسئلون الناس إلحافا .. هي سمة جبل عليها كناوة قصر السات الذين توشحوا بالبياض رمز النقاء والصفاء وحلقوا في سماء الشطحات الصوفية والرقص الجسدي الذي يسمو بصاحبه الى حالة الانتشاء الروحي في مشهد تعبيري وجمالي لا يدركه الا العارفون بالله. على إيقاع تلك الآلات البسيطة يرقص أعضاء الفرقة الكناوية في صفين متقابلين، يتكون الأول من الأعضاء الذين يحملون القراقب ويصل عددهم إلى عشرة أو أكثر أحيانا، بينما يتكون الثاني من الأعضاء الذين يحملون الطبول لا يتجاوز عددهم ثلاثة أفراد، أبرزهم مسير الفرفة الذي يبدأ بإلقاء الأبيات ليرددها الجميع في إطار حركات تبرز مدى الحضور الفعلي المتعدد للجسد في الرقص الكناوي من خلال الانحناءات وحركة الركبتين والساقين، والمشي تارة إلى الأمام وتارة إلى الخلف، ودك الأرض والقفز في الهواء وما إلى ذلك من حركات وإيماءات متعددة ومتكررة. تهيمن على رقصة فرقة كناوة قصر السات ، كما يقول عمر حمداوي، باحث في التراث المحلي، ظاهرة التكرار بجميع عناصرها من عزف وإنشاد وحركات مثيرة لا تدع مجالا للشك على أن الراقصين يذكرون من خلالها بماضي أسلافهم كما أنها أيضا لا تدع مجالا لتردد المولعين الذين يجدون أنفسهم دون سابق إعلام منخرطين في جذبة ينسجم فيها الروح مع الجسد لتخلق بذلك إحساسا خاصا يصعب التعبير عنه. ويضيف حمدواي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للانباء، أن المرددات في الغناء الكناوي تشكل أهم عناصر الفرجة وتتمثل في مجموعة من التوسلات والأذكار التي يصعب إلتقاطها وفهمها من طرف الحاضرين الذين يتوافدون فرادى وجماعات إلى عين المكان للإستمتاع بفرجة من فرجات الواحة ، وتقديم الهبات والصدقات و"التبرك ببركة كناوة التي تستمد مرجعيتها من ارتباط العبيد بسيدنا بلال مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم كبطل تاريخي إرتبط إسمه بالصبر والإيمان القوي رغم شتى أصناف التعذيب الذي تعرض لها". وعن دلالة ألوان ملابس الكناويين من واحة فركلى ، يبرز حمداوي أن المتأمل في ملابس كناوة يجدها أنها تحيل على قيم الرجولة والتشبث بالثقافة الإسلامية والتراث المغربي الأصيل وهي العباءة وتسمى "الفوقية" أو "العباية"، العمامة وتسمى "تحرامت"، والحزام، والخنجر ويسمى "توزالت" المشدود بشريط أحمر يسمى "الحرافت"، ثم الحذاء "البلغة" والجوارب (تقاشر). ويتصدر اللون الأبيض الناصع الذي يتجلى في العباءة الطويلة والعمامة والجوارب قائمة ألوان ملابس فرقة كناوة الذين يجسدون في رقصهم تلاقح الثقافات، للون الأبيض فيها دلالة قوية تكمن في كونه يرمز للنقاء والصفاء والطهر ... ويأتي اللون الأحمر رمز الحب المتبادل بين الفرقة وجمهورها والمتمثل في الشريط الذي يتدلى منه الخنجر رمز الرجولة والشهامة ليضفي جمالية خاصة على اللباس الكناوي، لتزداد الصورة أكثر جمالية من خلال الحزام الذي يحيط بالخصر بلونه الأسود رمز الحجارة الكريمة، و"البلغة" بلونها الأصفر رمز اللمعان والإشعاع والإثارة والانشراح. هي كلها خصائص حاضرة بقوة في الفرجة الكناوية التي يضرب صناعها موعدا يوميا على مدار سبعة أيام مع جمهور عريض متعطش لتراث عميق في قصر من قصور الواحة العريقة ، يقول الفاعل الجمعوي. أما سعيد أباعلي، عضو فرقة كناوة السات وجمعية فركلة للمحافظة على تراث كناوة، فأبرز، في تصريح مماثل، أنه "إيمانا منا بضرورة الحفاظ على التراث الكناوي واستمراره وتطويره والبحث في عوالمه وربط جسور التواصل مع المشتغلين عليه، وركوب قطار التحدي للحفاظ على عاداته وتقاليده وطقوسه، عملنا على تأسيس جمعية "فركلة للمحافظة على تراث كناوة" سنة 2007، التي يرجع إليها الفضل في عودة الفن الكناوي إلى الساحة الفنية والثقافية بواحة فركلى عودة قوية بعد سنوات من النسيان. وأضاف الفاعل الجمعوي أن الجمعية استطاعت إحياء و"ترميم" فرقة كناوة السات التي أصبحت تضم في ثناياها أصواتا شابة تتقن الأداء والعزف، والالتزام بالإيقاع واللحن الذي يختلف باختلاف الكلمات والحركات، بالإضافة إلى تنظيم ملتقى سنوي والذي يحظى بحضور شعبي لا يدع مجالا للتردد في أهمية رقصة كناوة ودورها الفعال في المشهد الفني المحلي المتعطش إلى فن ملتزم تؤطره تعاليم الدين الإسلامي. كما كان للجمعية دور هام، يضيف أباعلي، في إحياء فرقة كناوة السات لمجموعة من الحفلات سواء داخل المنطقة أو خارجها، وتنشيط العديد من الأعراس وغيرها من المناسبات الاجتماعية، فضلا عن المشاركة الفعالة في مواسم كناوة على مستوى مناطق الجنوب الشرقي (ملعب، إكلي، مرتشا، توروك، خملية، تنغير...) وفي المهرجانات والملتقيات التي تسعى إلى التعريف بمختلف فنون ورقصات التراث الواحي. وأكد في هذا الاطار ان الجمعية تحرص على التمسك بتراث الاجداد الضارب بجذوره في أعماق التاريخ والذي ساهم في نحته مجموعة من رجالاته أمثال بوجمعة بن مبارك وبلخير بن مبارك، سالم بن مبارك وبلال بن بلخير، و فراجي بن مسعود، وموحى بن سالم، وكذا احياء عادات وتقاليد وطقوس كالجولات في قصور الواحة بعد موسم الحصاد لجمع التبرعات من أموال وسكر ودقيق من جهة، وللتعريف بمختلف جوانب هذا الابداع من جهة ثانية، فضلا عن إحياء موسم "بدردبة"، لمدة سبعة أيام من شهر مارس الفلاحي من كل سنة، الذي يعد حدثا فنيا وثقافيا يستحضر فيه الكناويون بمعية جمهورهم الواسع قيم الحرية والأخوة والتعايش التي تعتبر أحد أبرز خصائص المجتمع الواحي.