AHDATH.INFO – خاص يوم الجمعة المنصرم، أدى ولي العهد الأمير مولاي الحسن صلاة الاستسقاء بمسجد حسان، رفقة رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران. بعد ذلك، سبحان الله، تهاطلت الأمطار بغزارة في مختلف مناطق المملكة. صراحة، جميل جدا ومدعاة للسعادة والفخر أن يستجيب الله لصلواتنا بهذه السرعة. علينا أن نعتبر أنفسنا محظوظين. ففي سوريا وليبيا والعراق ومالي وغيرها، أناس يصلون يوميا لوقف الحروب، وهي سائرة في اشتعال. بينما نحن، بمجرد ما صلينا استسقاءً يوم الجمعة، لبّى العلي القدير دعواتنا في اليوم الموالي. إنه الاستثناء المغربي في أبهى تجلياته. لكني أتساءل بكل السذاجة الممكنة: لقد عانينا من شهري شتنبر وأكتوبر جافين حارين على غير العادة. لماذا لم تبرمج إمارة المؤمنين صلاة الاستسقاء منذ شتنبر؟ أما كنا حينها سنكسب شهرين من أمطار الخير والنماء؟ لكن، ولكي لا نكون عدميين، يمكننا أن نقول أيضا: "وقْت ما جا الخير تينفع". أتساءل مرة أخرى، لكن هذه المرة بتحريض من صديق معني بالأمر بحكم انتمائه للمنطقة: ما بالنا لا نفكر مثلا بصلاة استسقاء خاصة بمناطقنا الصحراوية القاحلة؟ ورزازات، زاكورة، الداخلة، كلميم، طانطان… وغيرها. كلها تحتاج لأمطار الخير والنماء. لكننا نعرف أن الأمطار هناك قاسية مُتمنّعَة لا تنفع معها صلاة استسقاء ولا يحزنون. في إطار استثنائنا المغربي الجميل، ومادامت صلاة الاستسقاء تؤتي أكلها بهذه السهولة وفي أقل من أربعٍ وعشرين ساعة، فلماذا لا نفكر مثلا في صلاة "الاستسغاز"، علّنا نعثر على الغاز؟ حين تهطل أمطار كبيرة تغرق مدننا وبيوتنا، يمكننا أيضا أن نفكر في صلاة "استجفاف"، نوقف عبرها المطر الزائد. أقترح أيضا صلاة "الاستشغال" لحل مشاكل البطالة؛ وصلاة "الاستدخال" للرفع من الداخل الوطني الخام؛ وصلوات أخرى كثيرة لحل مشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية. وبما أن صلواتنا تستجاب بهكذا سرعة، يمكننا أن نرفع سقف تطلعاتنا ونقوم بصلاة "الاستصحراء" نضمن بها حلا نهائيا لمشكل الصحراء. لم لا؟ الواحْد هو اللّي يْطلْبها كْبيرة. المشكل أن أغلب المغاربة، المتعلمون منه وغير المتعلمين، المصلون منهم وغير المصلين، أصبحوا يدركون بأن الأرصاد الجوية تترقب مواعيد هطول الأمطار، ليتم تحديد موعد صلاة الاستسقاء على أساسها. في السابق، كان يمكن الاعتماد على بعض السذاجة المترسخة (أو بعض الخوف المترسخ أيضا) لكي يتصور الناس بأن أداءهم لصلاة الاستسقاء خلف أمير المؤمنين أو ممثله، كفيل بوقف الجفاف. اليوم، أصبح للناس حد أدنى من الوعي والمعرفة بما يدور حولهم، لكي لا يغرقوا في تصديق الغيبيات. إنها ليست سخرية من الصلاة ولا من صلاة الاستسقاء. من حق أي مؤمن أن تكون لها قناعة راسخة بأنه، إذا صلى إيمانا واحتسابا، فسيسقط الله الأمطار والثلوج والخيرات. منطق المؤمن لا يناقش. لكني أتحدث هنا بمنطق العقل والعلم. لا يمكننا أن نستمر في ترسيخ ذهنية الغيبيات، بل ونبني لها بشكل مؤسساتي. أتحدث أيضا بمنطق المؤسسات الديمقراطية التي نريد بنائها، والتي لا يجب أن يكون فيها مكان للغيبيات. هناك توقعات علمية لحالة الطقس، هناك وسائل علمية لمواجهة أخطار الجفاف، هناك واقع مناخي يتغير في المغرب وفي العالم… هذا منطق العقل. أما الإيمان، فيبقى حقا مضمونا للجميع، لكنه لا يجب أن يجعلنا نؤطر سياساتنا ومؤسساتنا بالغيبيات.