إذا لم نفهم هؤلاء الصغار، ولم نفهم صرخاتهم، ولم نفهم ضربهم لعناصر القوات المساعدة الفهم السليم، سنسقط مجددا في الفخ ذاته بعد أيام أو أسابيع أو أشهر أخرى قليلة. انتهينا الآن من إدانة الفعل الإجرامي السيء وغير المقبول من طرف بعض مشجعي الجيش خلال مباراة الجديدة، وانتهينا من الاستغراب أن حكم المباراة لم يجرؤ على توقيفها رغم أن أعمال الشغب تجاوزت العشرين دقيقة فيها، ورغم أنه رأى بأم عينيه عناصر الحفاظ علي الأمن ينكل بها ورغم أن السلامة الجسدية للاعبين والأطر التدريبية كانت مهددة، لكنه خسي لأن الأمر يتعلق بالجيش. انتهينا أيضا من خوف الصحافة من التجرؤ على هذا الفريق بعد أن تجرأ أنصاره على الأمن وعلى صورة القوات المحافظة على الأمن، وبعد أن قدموا درسا مخجلا لا علاقة له بكرة ولا برياضة ولا بأي شيء، والآن أتى أوان الفهم، وأتى أوان الحديث الصريح المباشر عن عديد الأشياء. لنقلها من الأخير: الطريقة التي تتعامل بها الجهات الوصية على الرياضة في بلادنا، وهي في هاته الحالة جامعة الكرة ووزارة الشبيبة والرياضة بالإضافة إلي المكاتب المسيرة للفرق مع ظاهرة الإلترا هي طريقة جاهلة. أغلبية المتدخلين في التطفل على هذا الحديث لا يعرفون معنى الألترا، ولا يعرفون معنى الانخراط فيها، ولا يعيرون للظاهرة أي انتباه، لذلك تجد أحيانا بعض الاجتماعات المضحكة للمسؤولين مع جمعيات لا تمثل إلا نفسها تدعي أنها تجمعات أو روابط لمحبي الفرق لكنها عمليا لا تتحكم في الملعب ولا في الجماهير ولا تسير الظاهرة التي غزت بشكل مقلوب ومتأخر الملاعب الكروية المغربية في السنوات العشر الأخيرة. يجب هنا التذكير بأننا في اللحظة التي اكتشفنا فيها في المغرب ظاهرة الألترا، كانت الظاهرة قد تطورت تطورات كبرى ومثيرة في دول نشأتها: في إنجلترا انقضى الحديث عن الهوليغانيزم رغم اختلافه عن ظاهرة الألترا وأصبحت روابط المشجعين تلعب دورا أساسيا في تنظيم الملعب وفي حمايته من الشغب ومن الظواهر التي عرفتها إنجلترا ثمانينيات القرن الماضي. في برشلونة مثلا نظم السوسيوس وهم أنصار البارصا المنخرطون فيها أنفسهم، وتمكنوا من تحييد جماعة من الانفصاليين الكتلان المتشددين لم يكن عددها يتجاوز الثلاثمائة داخل الكامب نو لكنها كانت قادرة على زرع الرعب كل مرة تحركت فيها. الجمهور بنفسه استطاع هناك فرض الهدوء على هاته القلة القليلة وفرض الفرجة على العب الجميل الذي أبدعته البارصا في بقية سنواتها الأخيرة. في دول أوربا الشرقية أخذت الظاهرة طابعا سياسيا وعرقيا وعاشت لحظات احتقان كبرى وصلت حد القتل والقتل المضاد بين الروابط، لكن الأمر انقشع بداية سنوات الألفين وأصبحت الدول التي اكتشفت الظاهرة متأخرة وحدها هي التي تعيش بداياتها السيئة مثلما يقع لدينا منذ 2005وإلي الآن. ومع الجانب السلبي الذي ينبغي التحذير منه، هناك جانب إيجابي لهاته الروابط ظهر في الأشكال الاحتفالية غير المسبوقة في ملاعبنا وفي التنافس حول التيفوات والطلعات فالفيراج والكورتيج وبيع المنتوجات والإقبال عليها والطاغات والغرافيتي في الجدران وبقية المظاهر الجيدة التي كان ممكنا التركيز عليها وتشجيعها، وتوجيهها الاتجاه السليم من أجل أخذ الجانب الإيجابي في الظاهرة والابتعاد بها عن الجانب السلبي. للأسف الذي وقع في المغرب هو أن النخبة القليلة التي حملت الظاهرة إلى الملاعب أول مرة لم تشرحها بطريقة كافية وافية للجموع، ولم تواصل رعايتها داخل الملاعب. هي اكتفت بزرع البذرة الأولى ثم انسحبت من الميادين، وعوضها حل شباب من مستوى تعليمي متوسط أو منعدم فهموا "الألترا" فهمهم للتنظيم العصابي أو المافيوزي وحولوها إلى أداة بث رعب في المجمع. الأخطر اليوم ليس فقط ماوقع في ملعب الفتح الأحد 19 أكتوبر وقد وقع مثيل له عديد المرات. الخطير الآن هو أن مافعله آلترا الجيش هو أداة تفاخر بين الآلترات والتحدي سرى بين كبريات الألترات المغربية من أجل إظهار من لا يخاف قوات الأمن، ومن يطبق شعار الألترا الشهير "acab" الذي يعني أن كل رجال الأمن غير صالحين لئلا نقول شيئا آخر. الفهم السليم، والتعامل العاقل مع الظاهرة من طرف من يعرفونها، وابتعاد المتطفلين ممن لم يطؤوا يوما ملاعب الكرة إلا بعدما أصبحوا مسؤولين عن الكرة هو البدء لتعامل آخر مع الظاهرة يعفينا من رؤية ذلك المشهد المخجل والمذل لرجال أمن منبطحين أرضا والمشجعون يشبعونهم ضربا وتنكيلا. حذار، ماوقع في الرباط الأحد 19 أكتوبر أكبر من ردة فعلا. لاتستهينوا به ولا تحاولوا الخروج منه بسرعة دون فهمه وفهم كل ماتسبب فيه... ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق من انتظروا أن تدلي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بدلوها في قضية الإنسان الذي ضرب بالرصاص في الحدود المغربية الجزائرية ظلوا من المنتظرين. الجمعية هي هكذا بالتحديد: لا تتضامن "فابور"، لابد من بعض التمويل الخارجي أولا، ثم هي لا تتضامن مع (المخزن وأنصار المخزن) وإن كانوا من المواطنين المغاربة العاديين. الجمعية أرقى من الإنسان المغربي، وأعلى من المغرب. الجمعية لا وجود لها في المغرب باختصار. مال الأجانب السايب يعلم الصمت ويعلم أشياء أخرى بالتأكيد.. المختار لغزيوي