«آش هاذ الشي واقع..»؟ سؤال تردد بالجملة بين المسفويين مساء أول أمس، سؤال مرفوق بالهلع والسعال وضيق التنفس، وحركة غير عادية في اتجاه المستشفيات والمستعجلات خصوصا، والثابت في كل هذا الهرج والمرة، هو أن السكان فوجئوا بالروائح الكريهة التي اعتقدوا أنها عابرة، ومنبعثة من مزبلة أو قنوات الصرف الصحي تتحول إلى كابوس حقيقي. حوالي الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم الخميس كان القاسم المشترك بين كل المارة الذي يسيرون في الشوارع هو الكمامات التي تغطي أنوفهم، ومن لم يجد كمامات استعان بيديه لمنع الرائحة الكريهة من دخول خياشيمه أو التسبب في اختناق وغثيان كما وقع للعديدين. سعال وغثيان وغياب عن الوعي أعراض اشترك فيها كل من هبت عليه نسمات تحمل الرائحة الخانقة التي غزت جل أزقة وأحياء المدينة ذلك المساء، وبالخصوص الأحياء المتواجدة جنوبآسفي والقريبة من معامل كيماويات المغرب مصدر هذه الرائحة الكريهة الخطيرة. كثرة السعال والقيء والدوخة جعلت قسم المستعجلات بمستشفى محمد الخامس بآسفي ذلك المساء يعرف حركة غير عادية من خلال العدد الهائل من المواطنين والمواطنات الذين توزعوا بين الأطفال والشباب والشيوخ جاؤوا جماعات لطلب النجدة من الطاقم الطبي. البحث عن جرعات من الأوكسجين كان هو الطلب الموحد للوافدين ، فالإختناق وصل مرحلة أقلقتهم، ووضعتهم في حالة رعب، كانت تأثيرات الروائح جد سلبية، خصوصا على الأشخاص الذين يعانون من مرض الربو، حيث اكتظ القسم بالعدد الهائل من الحالات المتوافدة عليه والتي قدرت بحوالي 400 حالة، منها حالات خطيرة تم نقلها على وجه السرعة إلى الطابق الثاني بالمستسفى، وبالضبط بقسم الإنعاش لوضعها تحت العناية المركزة، دون احتساب الحالات الأخرى التي ظل أصحابها مرابضين بمنازلهم وبالخصوص ساكنة الدواوير القريبة من هذه المعامل، نظرا لغياب وسائل النقل بها. اكتظ قسم المستعجلات بالمصابين الذين صعب على أغلبيتهم الحصول على سرير، لكون الطاقة الاستيعابية للقسم لا تتلاءم وهذا العدد المهم من المرضى، وأيضا لقلة التجهيزات الطبية الخاصة بالاختناق، وهو وضع استغربه عدد من المصابين في مدينة معروفة بدرجة التلوث العالية، نتيجة الغازات السامة التي تظل كيماويات المغرب تقذف بها، ما أدى بالمصابين إلى الاسترخاء على الأرض. وضع دفع عائلات المصابين إلى الاحتجاج على تدني الخدمات بهذا القسم، وأيضا على غياب الاحتياطات بخصوص حالات الطوارئ المشابه لما وقع أول أمس، حيث أكد العديد من أقارب المرضى في تصريحاتهم لجريدة «الأحداث المغربية» التي حضرت إلى قسم المستعجلات فور توصلها بالخبر، على أن ذويهم من المصابين أصيبوا بضيق خطير في التنفس ودوران في الرأس مصحوب بالقيء نتيجة الرائحة الكريهة ، مبرزين على أن أغلب المصابين يقطنون بالمنطفة الجنوبيةلآسفي القريبة أحياؤها من معامل كيماويات المغرب مصدر هذا الاختناق، مضيفين على أنهم يعانون بشكل دائم من الغازات السامة المنبعثة من كيماويات المغرب والتي ظهرت حدتها هذا المساء. في ذات المساء كانت مادة الحليب هي نجم الأحداث، حيث نفذت بسرعة قياسية من جميع المحلات التجارية بمدينة آسفي، لكونها تساعد على التقليل من حدة الإصابة بالاختناق المصحوب بالقيء، حيث ظل بعض المواطنين يبحثون عن هذه المادة لوضعها رهن إشارة المصابين لكن دون جدوى. حركة 20 فبراير دخلت فورا على الخط ، ونفذت وقفة أمام الباب الرئيسي للمستشفى، وطالب المحتجون في شعاراتهم المرفوعة بالتدخل العاجل للحد من هذه الملوثات الغازية، وبإنشاء مستشفى متعدد التخصصات، كما طلبوا من ساكنة المدينة توقيع عرائض سيتم توجيهها إلى الجهات المسؤولة قصد رفع التهميش عن المدينة. مسؤول بكيماويات المغرب في تصريح أدلى به للجريدة على أن الأمر يتعلق بمادة ثنائي أوكسيد الكبريت، وأن سبب هذا الاختناق يعود إلى الطقس الحار وغياب رياح ولو خفيفة وهو ما جعل هذه الغازات تتكدس في السماء دون أن تجري بها الرياح، والتحرك البطيء للتيارات الهوائية التي تعمل عادة على تفكيك مقذوفات الغازات المنبعثة من العوادم. وكانت إدارة الفوسفاط وفور علمها بالخبر وبضغوطات عليا قد أقدمت على توقيف المعمل قرابة ساعة للتقليل من حدة هذا التسربات الغازية السامة والخطيرة والتي انتشرت بمختلف أحياء المدينة بما فيها الأحياء الشمالية وبعض المناطق القورية، كخط أزكان لمدة تزيد عن الثلاث ساعات، وبعدما ظلت الحالات التي توافدت على قسم المستعجلات ترقد بهذا الأخير إلى ساعات متأخرة من الليل. وفي تفسير وتوضيح ما جرى صرح مسؤول عن التواصل بكيماويات المغرب أن هذه العوادم «تمتد على ارتفاع يخضع للمعايير المعمول بها في هذا المجال« مشيرا إلى أن «ارتفاع درجات الحرارة خلال اليومين الأخيرين وضعف حركة التيارات الهوائية وكتل الغيوم جعلت مقذوفات الغازات تتمركز فوق المدينة ومنعتها من التوجه نحو البحر».