بغض النظر عن كل ماقيل في حلقة "مباشرة معكم" الأربعاء الماضي عن تورط الجزائر في محاربة المغرب سرا وعلانية، إلا أن الأهم هو أن التلفزيون المغربي انتبه لأهمية عدم ترك المجال الإعلامي فارغا في هاته المواجهة. هذه ثاني مبادرة تلفزيونية مغربية للمواجهة بعد الأولى التي قدمتها منذ أسبوعين تقريبا قناة "ميدي آن تي في" عبر برنامج خاص ناقش تداعيات الحملة الجزائرية ضد المغرب، ووضع اليد على كثير من مكامن الخلل في هاته العلاقة من الجانب الجزائري بالتحديد، وأعاد إلى الأذهان عديدا من لمظاهر السلبية لتركيز الدولة البومدينية على جعل المغرب العدو الخارجي رقم واحد من طرف الجنرالات لشعبهم لئلا ينتبه هذا الشعب إلى العدو الداخلي، الأخطر والأكثر شراسة في مواجهته والنيل من رزقه اليومي. الأربعاء استلمت القناة الثانية "دوزيم" المشعل، وقدمت عبر "مباشرة معكم" مقاربة أخرى للموضوع الجزائري في المغرب، عبر تقديم شهادات غير مسبوقة لانفصاليين ذهبوا حتى الديار الجزائرية وعادوا من هناك بما عاشوه ورأوه وتلقوه من تعليمات بهدف إشعال المغرب، وبث الفتنة فيه. القناة حرصت طبعا على إخفاء هوية المتدخلين، وعلى تغيير صوتهم تماما خوفا عليهم من انتقام لا يمكن إلا أن يكون داميا من طرف عصابات البوليساريو والجزائر. والشهادات في حد ذاتها قدمت للمغاربة ماظلوا يتناقلونه فيما بينهم دون أن يكون لهم عليه دليل، لكن هذه المرة بصوت وعلى لسان المتورطين الأوائل في هاته المخططات ضد البلد أي بلسان وصوت انفصاليي الداخل. الأمر هام جدا، وهو أساسي ليس فقط لأنه يقدم مادة إعلامية مميزة فقط، ولكن لأنه يخاطب أهل المخيمات والمحتجزين فيها. ذلك أن المعركة اليوم في الصحراء لم تعد مسألة إقناع شعب، هو الشعب المغربي، بشرعية دفاعه عن وحدة ترابه. لا، هذا الأمر محسوم سلفا. المعركة اليوم هي إيصال صوتنا واضحا لا لبس فيه لإخوتنا في المخيمات، ومخاطبتهم مباشرة (وأعجبني كثيرا الفعل الذي قام به الأستاذ الموساوي العجلاوي حين حدق في الكاميرا مباشرة وسأل الصحراويين الأحرار إن كانوا يقبلون باستمرار التسول باسمهم إلى مالانهاية؟) من أجل إقناعهم بدورهم الأساسي والحاسم في إنهاء هذا النزاع. المعركة اليوم معركة صورة، ومعركة إعلام، ومعركة تسويق، ومعركة ذكاء في الدفاع عن حقنا المشروع في أن يظل بلدنا موحدا، خصوصا إذا لم تكن على الأرض أية دوافع منطقية أو سياسية أو طبيعية لتمزيقه. المعركة هي أيضا معركة عدم ترك المجال فارغا في أي مساحة مهما صغرت، ومعركة انتباه للفخاخ الكثيرة المنصوبة لنا اليوم بطوله، والتي يسقط فيها بعضنا بسهولة وعن حسن نية للأسف الشديد، معطين أعداء وحدتنا الترابية فرصة أكل الثوم بأفواه هؤلاء المنتقدين الذين تتغلب أحيانا حسابات شخصية صغيرة لديهم على الحساب العام الأكبر: حساب الوطن. المعركة هي أيضا معركة استمرار فيما بدأته "قناة العيون" أولا، ثم "ميدي آن تي في" ف"دوزيم" الأربعاء، والدور على بقية القنوات التلفزيونية المغربية التي يجب أن تستوعب أن سلاح الصورة والنزول إلى الميدان، وتشغيل الجيش العرمرم من المنتمين إليها في الدفاع عن قضية الوطن، بلغة المهنة، وسلاح المهنة، وأدوات المهنة، وبكل موضوعية ودون سقوط في البروباغاندا الفارغة، بل استغلال حقنا المشروع في الدفاع عن وحدتنا الترابية (هذا السلاح) هو الأمثل والأكثر فعالية في زمن المشاهدة هذا. لذلك تبدو المهمة سهلة وقابلة للتطبيق باستمرار في سنة الحسم هاته المسماة 2015، والتي يجب أن تكون سنة إقناع المنتظم الدولي مرة أخرى وأخيرة ونهائية بأن الحل المغربي هو الحل الجدي والحل الوحيد للنزاع المفتعل في الصحراء المغربية، وأن الرهان على إشعال منطقة مشتعلة أصلا بوضع كيان ضعيف وممزق فيها تابع لدولة الجنرالات البومدينية السائرة نحو التحلل هو رهان أخرق لايمكنه إلا أن يخدم مصالح الجماعات الإرهابية التي يخوض العالم الحر اليوم ضدها معركة البقاء أو الفناء. كذلك لامفر من التنويه بتلك اللحظة التي أتى فيها سؤال ذكي من طرف مقدم البرنامج جامع كلحسن عن معنى "المخزن" و عن سبب ارتعاب الجزائريين من هذا المصطلح لأن تلك العودة إلى تاريخ الإسم ومعناه، وسبب ارتباطه باستقلالية المغرب في وجه العثمانيين تغيب حتى عن فئة واسعة من المغاربة تردد دون فهم المصطلح وتعتقده مرادفا لعديد الأمور التي شرحت لها بطريقة سلبية وغير صحيحة. المختصر المفيد في العملية كلها هو أن حرب الصورة وحرب الإعلام هي حرب لابد للمغرب بعد أن يخوضها أن ينتصر فيها. هل نحن مهيؤون لها ومؤهلون للانخراط في كل فصول مواجهاتها؟ لدي الإحساس العميق الداخلي - رغم كثير من الظواهر السطحية التي تقول العكس - أن الأمر ممكن. فقط علينا أن نعرف كيف ومتى ومع من وبمن علينا أن نبدأ خوض هاته الحرب. وبعدها لن يكون إلا الخير...مثلما يقول المغاربة في مأثورهم على الدوام ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق إعلان العالم الحر، وليس أوباما فقط الحرب على داعش الأربعاء الماضي، هو إعلان لايمكن إلا التصفيق له. فظاعات ماقام به هذا التنظيم الإرهابي لايمكنها أن تترك إنسانا سويا على وجه الأرض محايدا، ولايمكنها أن تدفع بعاقل إل يالبحث عن مبرر مهما كان للرعب، للبشاعة، للقبح، للألم الذي تخصص في صنعه هذا التنظيم الكريه. لإنقاذ الإسلام أولا ولإنقاذ الإنسانية بعد ذلك، مرحبا بهاته الحرب. هكذا وبكل وضوح. المختار لغزيوي