كنت في عطلة ودخلت اليوم فقط. استعدت أنفاسي وأنا أجلس على نفس الكرسي الذي تركته قرابة الشهر. وجدت رسائل عديدة، وانتقادات أكثر، ووجدت حكاية لاتريد الانتهاء تستكثر علي أن أتوفر على أسلوبي الخاص بي. يقولون لي إن "رجلا ما يكتب لك". هذه علة الذكوريين. المرأة بالنسبة لهم لاتستطيع الكتابة. هي تستطيع فتح رجليها جيدا وانتظار سيدها الرجل أن ينتهي من مراده منها، ثم يقوم ولا يكلف نفسه حتى عناء التنقل إلى الدوش للاغتسال ويشرع في الكتابة لها. يمن عليها ببضعة أسطر ويطلب منها أن تضع توقيعها، أن تمهر كلام سيادته وأن تمضي. المصيبة هي حين يأتي هذا الكلام من أشباه الحداثيين. من أصحاب النطق بالفرنسية المتكسرة، والنظرة الشاحبة من تحت النظارات، والسيجارة الشقراء المتدلية من الفم بمناسبة وبدون مناسبة. أصحاب "bonjour beaute"، وماشابه من المصطلحات المتعالمة الذين يفقدون حين المعقول قدرتهم على المساواة، ويصبحون شبيهين بالدواعش تماما: يريدون جواري يضمونها إلى الحريم، ويريدون كثيرا من الإماء أينما حلوا وارتحلوا، ويريدون فوق هذا وذاك زوجة شريفة عفيفة تجلس في المنزل لحراسة الأبناء وحماية سمعتهم. الدراويش، هم لا يعرفون أن مايفعلونه في الشوارع تفعله زوجاتهم في المنازل، لكن هذا موضوع آخر لا داعي لشغل البال به. في العطلة التقيت أحمد. شاب من فرنسا، مغربي ولد هناك من أبوين مغربيين، لكنه لا يتقن حرفا واحدا من الدارجة. يعرف الأمازيغية والفرنسية. حدثني طويلا عن الزواج وعن الصداقة وعن الحب وعن المشاريع المستقبلية وعن "الأوراق". "les papiers". الكلمة كانت تقفز من فمه بين المرة والأخرى ألف مرة. كان يريد إقناعي أنه يمتلك تأشيرة دخول للجنة. فردوس أوربا المفقود. البلاد التي يريد كل المغاربة "الحريك" إليها. لم يفقه، ولم يستوعب، ولم يفهم أنني مكتفية بهذا البلد الذي أعيش فيه، وأنني فقدت القدرة على حراك كبير نحو بلد آخر، وأنني أساسا لم أعد أصدق الرجال منذ زمن بعيد، وبعيد جدا. كان يريد متعته، وركنت أريد متعتي. أنا لم أكذب ولم أقل كلمة واحدة ألتزم بها فيما بعد. هو قال كثيرا من الأكاذيب والوعود والآمال المعلقة التي لامعنى لها والتي لم أطالبه بها، فقط لكي يظفر مني بقليل من الوقت وشيء من الاستمتاع ظفرت بمثله أو بأكثر. في النهاية كنت أضحك وهو يبحث عن مبررات الرحيل دون استئذان، وكنت أسأل نفسي "علاش دايرين بحال هاكا الرجال؟" لم أجد جوابا. تذكرت أنني سأعود إلى العمل. سأعود إلى الكتابة لأناس لن يصدقوا كلما كتبت شيئا جيدا، أنني امرأة، ولن يزيلوا من أذهانهم أن رجلا ما يكتب لي ما أقدمه لكم. هم يشبهون أحمد تماما: المرأة بالنسبة لهم وعاء جنسي، مهما رددوا من شعارات، مهما قالوا من كلام. لايستطيعون النظر أبعد من مهبلنا. عادي، لقد خرجوا منه يوما، وهم يمضون اليوم بطوله في التفكير فيه. لندعهم حيث هم، في المهبل والمحيط به. ولنواصل التفكير بعقلية النساء. وحدها هاته العقلية، وحدنا نحن النساء، نستطيع إنقاذ هؤلاء الدواعش مما هم فيه من دمار .. زاوية تقترفها : سليمة العلوي