متجاهلا الأراجيف والترهات التي ما فتئت الجزائر وصنيعتها البوليساريو ومن يساندهما على إطلاقها بين الحين والآخر حول "استغلال" المغرب للموارد الطبيعية بمنطقة الصحراء تواصل المملكة تنمية صحرائها وفق مقاربة تأخذ بعين الاعتبار مصالح المواطن وانتظاراته وتطلعاته. لقد عمل المغرب منذ البدايات الأولى لهذه الحملة المسعورة التي تلقى في بعض الأحيان آذانا مستعدة لقبض ثمن إنصاتها لهذه الترهات على تجاهل هذه الاتهامات المجانية والرد عليها " عملا لا قولا " من خلال اعتماد استراتيجية البناء التي ترتكز على تنفيذ مشاريع تنموية تطال مختلف القطاعات خدمة للتنمية ولتطلعات ساكنة المنطقة. وإذا كان أعداء الوحدة الترابية للمملكة يكيلون الاتهامات جزافا للمغرب من خلال ادعاءات تروم النيل من سمعته باعتباره "يستغل" الموارد الطبيعية للأقاليم الجنوبية للمملكة و"يستحوذ على خيراتها" فإن الأرقام والإحصائيات المتوفرة والتي بإمكان الجميع الاطلاع عليها تفند هذه الأكاذيب وتؤكد أن المغرب اختار بدل الالتفات لهذه الهرطقة سياسة عملية تستهدف تنمية وتطوير هذا الجزء العزيز من ترابه من خلال إطلاق مشاريع ضخمة ومهمة بالمنطقة مكنت في سنوات قليلة من تغيير ملامح هذه الأقاليم التي كانت تفتقر إلى أبسط التجهيزات. وساهمت هذه المشاريع والاستثمارات الضخمة في الرفع من مستوى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لساكنة المنطقة وذلك من خلال تقوية وتعزيز ودعم البنيات والتجهيزات الأساسية وإنشاء المقاولات والاهتمام بالعنصر البشري والمجال البيئي مما مكن بالتالي من تحقيق مؤشرات جد إيجابية بهذه المناطق حيث أضحت على سبيل المثال جهة العيون- بوجدور- الساقية الحمراء من بين جهات المملكة التي يسجل فيها أدنى معدل للفقر على المستوى الوطني حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط . فهذه الجهة التي تمثل نموذجا حيا لما عرفته باقي المناطق الجنوبية للمملكة شهدت لوحدها تنفيذ عدة مشاريع استهدفت بالخصوص تحديث وتطوير الموانئ وإطلاق مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتأهيل القطاعات الإنتاجية وخلق فرص الشغل لفائدة الشباب مما مكن بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة من الارتقاء بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لساكنة الجهة. وخلافا لما يشيعه الخصوم حول هذا الاستغلال الافتراضي للثروات السمكية بالمنطقة عرف قطاع الصيد البحري طفرة جد مهمة تمثلت في تنفيذ السلطات العمومية لاستثمارات بمختلف المناطق الجنوبية استهدفت بالخصوص تعزيز التجهيزات التحتية لمجموعة من الموانئ كالمرسى وطرفاية وبوجدور (جهة العيون) وكذا موانئ وادي الذهب – الكويرة. وتم في هذا الإطار إنجاز مجموعة من المنشآت الجديدة التي أعطت دفعة قوية للنشاط الاقتصادي بهذه المناطق وساهمت في استثمار مؤهلاتها وبالتالي في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية كميناء بوجدور الذي دشن مؤخرا بغلاف مالي بلغ 379 مليون درهم إلى جانب مشروع توسيع وتحديث ميناء المرسى (إقليمالعيون) وإطلاق مشروع توسيع ميناء طرفاية الذي سيمكن من الانفتاح على التجارة الدولية للبضائع والركاب مع جزر الكناري وإعادة تأهيل الصيد التقليدي والساحلي. كما يتم سنويا دعم القطاع ومساعدة العاملين فيه من خلال توزيع قوارب ومنح رخص الصيد التقليدي لفائدة الشباب بالأقاليم الجنوبية وهي المبادرة التي تروم تحسين القدرة الإنتاجية للمستفيدين من هذه العملية والمساهمة في الرفع من عائدات أنشطة الصيد البحري المزاولة بالمنطقة . أما بخصوص موارد الفوسفاط فتشير الإحصائيات المتوفرة إلى أن فوسفاط منطقة الصحراء يشكل أقل من 2 في المائة من احتياطي المغرب كما أن شركة " فوسفاط بوكراع " التي تقوم باستغلال هذا الفوسفاط لا تمثل سوى 8 في المائة فقط من الإنتاج الوطني المغربي ومع ذلك فإنها توفر الآلاف من مناصب الشغل لفائدة سكان المنطقة. وفضلا عن هذه المشاريع استثمرت الدولة مبالغ مالية مهمة في تعزيز التجهيزات الأساسية للقطاعات الحيوية المرتبطة بحياة الساكنة خاصة الطرق والماء الصالح للشرب والكهرباء والصحة والتعليم والرياضة والثقافة وغيرها إلى جانب مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي ساهمت بشكل كبير في النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للساكنة. لقد تم استثمار ما يناهز 336 مليون درهم بجهة العيون – بوجدور الساقية الحمراء لوحدها ما بين 2005 و 2013 في إطار مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ساهمت في تمويل 881 مشروعا شملت برامج محاربة الفقر بالعالم القروي والإقصاء الاجتماعي بالوسط الحضري ومحاربة الهشاشة والتهميش وتمويل البرنامج الأفقي. وعلى صعيد آخر ومن أجل حماية الموارد المائية والوسط الطبيعي والمجال البيئي تم في إطار برامج وكالة الحوض المائي للساقية الحمراء ووادي الذهب تخصيص 60 مليون درهم خلال الفترة ما بين 2013 و 2016 من أجل تدبير الطلب على الماء وتثمينه وتنمية العرض وحماية الموارد المائية والوسط الطبيعي والمناطق الهشة . ويأتي مشروع النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية للمملكة الذي تم اعتماده مؤخرا لينضاف إلى هذا المجهود التنموي الكبير الذي بذله المغرب وليعزز هذه المكتسبات المشروعة باعتباره يروم إحداث تحولات مهيكلة سواء على مستوى القاعدة الاجتماعية والسياسات القطاعية أو على مستوى أنماط الحكامة وذلك بهدف خلق تنمية مستدامة ومندمجة. وتهدف هذه التحولات المهيكلة التي يقترحها هذا المشروع التنموي الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى تحرير وتشجيع المبادرة خاصة في القطاع الخاص والاقتصاد الاجتماعي والتضامني مع ضمان تدبير مستدام للموارد الطبيعية لصالح تنمية المنطقة والساكنة بالإضافة إلى إعادة صياغة السياسة الاجتماعية وتثمين الرأسمال البشري والاجتماعي فضلا عن النهوض بالثقافة الحسانية كعامل يحقق التماسك الاجتماعي والتنمية. ويتطلع هذا المشروع إلى مضاعفة الناتج الداخلي الخام للأقاليم الجنوبية للمملكة في أفق عشر سنوات مع خلق أكثر من 120 ألف فرصة شغل جديدة بالإضافة إلى تخفيض نسبة البطالة إلى أقل من النصف أخذا بعين الاعتبار معدل نشاط ثابت وارتفاع عدد السكان النشيطين بنسبة لا تتجاوز 2 في المائة سنويا. وكان السيد نزار بركة رئيس المجلس الاقتصادي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قد أكد خلال تقديمه بمدينة العيون للخطوط العريضة والتوجهات العامة لهذا المشروع أنه يروم تجديد دور الدولة من خلال إرساء حكامة مسؤولة وعادلة أساسها سمو القانون والنجاعة والديمقراطية والمشاركة والثقة. ومن شأن هذه المقاربة التنموية الجديدة التي حظيت بنقاش واسع بين مختلف الفاعلين المعنيين بالتنمية بالمنطقة (منتخبون ، جمعيات غير حكومية ، وزارات ، فاعلون عموميون وخواص ) أن تمهد الطريق لجهوية موسعة وحكامة محلية تستجيب لتطلعات الساكنة وتعترف بهوية وخصوصية المنطقة خاصة وأن الانشغال الأهم للسلطات العمومية يتمثل في تنفيذ استراتيجيات لتنمية المنطقة ووضع ثمار ذلك بين يدي السكان المحليين.