هم آباء وأمهات قرروا أن يتكبدوا عناء السفر إلى المدن البعيدة حيث سيجتاز أبناؤهم اجتياز مباريات تقودهم إلى تحقيق أحلامهم وطموحاتهم الدراسية، ولم يترددوا في المبيت أمام أبواب الكليات والمعاهد، في إصرار تام على مواكبة أبنائهم لآخر لحظة وتقديم الدعم المعنوي اللازم لهم من أجل اجتياز تلك المباريات بتفوق. رافقت ابنها في ذلك اليوم نحو باب الكلية، داعية له بالتوفيق، ومتمنية أن يكون النجاح حليفه في اجتياز الامتحان المؤهل للالتحاق بمقاعد كلية الطب، والذي تكبدت هي وأسرتها الصغيرة من أجله عناء السفر من إقليمبني ملال إلى مدينة الدارالبيضاء، ثم بدأت تتجاذب أطراف الحديث مع بعض النساء اللواتي قدمن بدورهن لنفس الغاية حول ظروف الرحلة الصعبة وما سبقها من استعدادات. قضوا ليلتهم داخل السيارة سمية التي غمرتها السعادة بعد أن زف لها ابنها خبر اجتيازه عقبة الباكالوريا، وحصوله على معدل مرتفع، أصبحت واثقة أكثر من أي وقت مضى بأن حلمها في أن ترى ابنها طبيبا لم يعد صعب المنال، بعد أن تأكد وجود إسمه ضمن اللائحة التي تضم أسماء المرشحين المدعوين لاجتياز مباراة كلية الطب. لم تترد السيدة الأربعينية في السفر رفقة أسرتها المكونة من أربعة أفراد إلى العاصمة الاقتصادية التي تزورها للمرة الأولى في حياتها، في سبيل أن تواكب ابنها، وتقدم له الدعم اللازم في هاته المرحلة المهمة من حياته، بعد أن منعتها مشاعر الأمومة من ترك ابنها الذي لم تعتد على فراقه يواجه بمفرده تجربة السفر وضغط الامتحان. انتظر أفراد الأسرة حلول الليل كي ينطلقوا في رحلتهم على أن يصلوا قبل ساعات قليلة من انطلاق المباراة، وذلك كي يتجنبوا الشعور بالتعب الناتج عن الصيام وأشعة الشمس الحارقة، وحتى لا يضطروا لتحمل تكاليف المبيت في أحد الفنادق في غياب من يستضيفهم من أفراد العائلة. خاض الأب سباقا حقيقيا مع عقارب الساعة إلى أن استطاع الوصول في الوقت المناسب إلى الشارع الذي توجد به الكلية، حيث قرر أن يركن السيارة، ويتناول رفقة أفراد أسرته وجبة خفيفة، ليخلد الجميع بعدها إلى النوم، باستثناء سمية التي لم يغمض لها جفن في تلك الليلة، بعد أن تسلل الخوف إلى نفسها، لأنها لم يسبق لها أن قضت ليلة في الشارع العام على متن سيارة تنعدم بداخلها شروط النوم المريح. مرت ببطء شديد على الأم ساعات الانتظار القليلة، قبل أن تنشر الشمس أشعتها، معلنة عن قرب انطلاق المباراة، لتقرر سمية أن توقظ ابنها، وتقدمه له الدعم النفسي الذي يحتاجه لاجتياز الامتحان دون أدنى خوف. لن يخيب أمل الأم، فبعد مرور ثلاثة أيام فقط على المباراة، سيتحقق الحلم الذي انتظرته سمية طويلا، بحيث سوف تتمكن أثناء تصفحها الموقع الخاص بالكلية من رؤية إسم ابنها ضمن لائحة المرشحين الذين نجحوا في اجتياز المباراة وأصبح بإمكانهم الالتحاق بمقاعد كلية الطب. هدف يستحق العناء كرس عبد الله ومليكة سنوات عمرهما لرعاية أبنائهما، ومواكبتهم خلال مشوارهم الدراسي من خلال النصائح والتوجيهات، التي جعلتهم يمشون بخطى ثابتة نحو النجاح ومكنتهم من تحقيق طموحاتهم الدراسية والمهنية، ليأتي دور آخر العنقود، محمد، الذي حصل هاته السنة على شهادة الباكالوريا في شعبة العلوم بعد أن تمكن من اجتياز امتحاناتها بتفوق. حرص الوالدان على أن يستفيد ابنهما خلال العطلة الصيفية من دروس تقوية في المواد العلمية حتى لا ينسى كل ما تلقاه خلال موسم دراسي كامل في انتظار موعد انطلاق المباريات والامتحانات المؤهلة لولوج عدد من الكليات والمعاهد العليا. لم يكن الوالدان يميلان إلى توجه دراسي دون الآخر، ما دفعهما إلى تشجيع ابنهما وتحفيزه لخوض مختلف الامتحانات والمباريات الوطنية، فلقد كان هم عبد الله ومليكة الوحيد هو أن يتمكن ابنهما من اجتياز كل الاختبارات الصعبة التي سوف يخضع لها، كي يضاعف حظوظه وفرصه في الاختيار بين كليات ومعاهد متعددة. تكبد الوالدان عناء السفر ومرافقة ابنهما من مدينة مكناس مقر سكن الأسرة إلى المدن التي سيتقدم فيها إلى المباريات، بدءا بالمحمدية والدارالبيضاء وانتهاء بمدينة مراكش، حيث خضع محمد لامتحانات عديدة، استشف عبد الله ومليكة صعوبتها من خلال ردود أفعال العديد من المرشحين الذين كانوا يغادرون بعد فترة قصيرة من انطلاق المباريات وهم يتذمرون ويشتكون إلى آبائهم وأمهاتهم، علامات الإحباط الخيبة تطغى على تعابير وجوههم، ليحاصر القلق في كل مرة الوالدين المنهكين بسبب ساعات السفر الطويلة والليالي التي قضياها على متن السيارة أمام أبواب الكليات والمعاهد التي ينوي ابنهما اجتياز مبارياتها. كان قلق الوالدين يتلاشى بمجرد أن يلمحا في عيني ابنهما السعادة النابعة من ثقته في اجتياز المباراة المؤهلة لالتحاقه بمقاعد المعهد، وأدركا بأن المجهودات التي بذلاها في سبيل تعليم إبنهما لن تضيع سدى. شادية وغزو