جرت العادة منذ القديم عند المغاربة ألا نتحمل من المسؤولية إلا النزر اليسير منها. نحن الشعب الذي "كيهرب علينا الطوبيس، وكيطيح لينا الكاس، وكتخسر لينا التلفزة". نحن لا نآتي متأخرين عن موعد الحافلة، ولانسقط الكأس من يدنا، ولا نتسبب لسياراتنا في أسوأ أنواع الكوارث. لذلك وفور حدوث أي مصاب كيفما كان نوعه نبرع في العثور على المسؤولين الحقيقيين والخياليين، وتجدنا وقد سارعنا إلى كل مكان لكي ندين الجهات التي رأينا وقررنا أنها المسؤولة الأولى والأخيرة عما جرى. في فاجعة بوركون تكرر مجددا نفس الأمر. عبارات كبيرة جدا عن مافيا العقار، وعن تورط الدولة في حماية الفساد، وعن ضرورة معاقبة كل من ثبت أنه متورط في ضياع دم الأبرياء الذين كانوا يتنولون طعام السحور قبل أن يصبحوا جثثا هامدة أو ضحايا بجروح لن ينسوها أبدا. كلنا أدنا الجهات الأخرى، ولا أحد منا قال "إننا جميعا مجرمون في هاته الفاجعة وفيما يشبهها من فواجع". عندما تمد يدك إلى جيبك لكي تستل بعض المال القليل أو الكثير لكي تمنحه للمقدم آو الشيخ أو القايد لكي يتغاضى لك عن إضافة بيت في السطح أو "نافذة في البلكون" أو أي هندسة عشوائية قررت أن تضيفها إلى منزلك دون علم "المخزن"، فأنت مساهم في قتل ضحايا بوركون عندما تمر قرب بناء عشوائي وتعرف أنه عشوائي وتعرف أنه لايخضع للمقاييس القانونية، وتحرك كتفيك لامبالاة وتقول "باينة دوروا"، وتكتفي فأنت أيضا مساهم في قتل ضحايا بوركون عندما تعتبر الرشوة أمرا طبيعيا في البلدية، في المقاطعة، في المستشفى، في المحكمة، في الإدارات، في أي مكان دلفت إليه من أجل تسهيل المساطر، وتيسير الأمور، وفق منطق "دهن السير يسير"، ولاتجد حرجا في منح "القهيوة" و"الحلاوة" لكي لاتتأخر أمورك أكثر من اللازم فأنت أيضا مساهم في قتل ضحايا بوركون نعم، من الممكن، بل من السهل اليوم إلقاء القبض على المقدم والشيخ والقايد، بل وحتى العامل والوالي إذا ما أردنا. ومن السهل القول "هؤلاء هم قتلة ضحايا بوركون"، وسيهدأ الناس وسيفرحون، لكن هل نضمن بفعل مثل هذا ألا تتكرر فاجعة بوركون مرات أخرى في مدن مغربية كثيرة؟ قطعا لن نضمن، لأننا لن نقطع دابر الشر المتفشي فينا، ولن نمس مكمن الخلل فقط حين سنتمنع نحن المواطنون، المغاربة، العاديون، المتكلمون بكثرة قليلو الفعل، عن مد أيدينا إلى الرشايوية بالرشوة، ستنعدم الرشوة في البلد، وستنعدم الآثار المدمرة المترتبة عنها فيما بعد في الفواجع الصغرى والكبرى. هل تتذكرون فاجعة مسجد البرادعيين بمكناس؟ هل تتذكرون معمل روزامور بليساسفة؟ كلنا كنا نرى لكننا مثلنا دور من لم ير شيئا إلى أن وقعت الواقعة…كالعادة تقريبا نكاد نقول حين سنفهم نصيبنا من المسؤولية ونتوقف عن إلقائها على الآخرين بهذا الشكل البئيس ستتغير كثير الأمور في هذا البلد قبل ذلك سنظل نصرخ وندين ونبكي بشكل أبله "عبيط"، وفي أول انعطافة، سنتورط في فعل قتل جديد، ولن نجد أي تناقض في الأمر، وهذا هو أسوأ ما في الموضوع ككل