عندما ينهزم فريق ما في مباراة كرة القدم فإن حالة الغضب التي تنتاب الجماهير المساندة له لا يمكن معها أن تتنبأ بما قد تؤول إليه نهاية المباراة، وبالتالي فإن السب والشتم هو أدنى مستوى رد فعل يمكنه أن يصدر عن هذا الجمهور. لكن إذا كان الأمر يتعلق بسب وشتم فريق يحمل اسم مؤسسة وطنية يفرض الواجب الوطني احترامها فإن ذلك يخرج عن نطاقه الرياضي ويفرض السؤال لماذا مازلنا متشبثين بتسمية فريق الجيش الملكي؟ «واجيبو الفيران... واجيبو الفيران» الشعار رددته اولترا «حلالة بويز» القنيطرية، خلال الدقائق الأخيرة التي سبقت إعلان حكم مباراة الجيش الملكي والنادي القنيطري عن صافرة النهاية في اللقاء الذي انتهى بالتعادل الايجابي 1 - 1 بمجمع الأمير مولاي عبد الله بالرباط. الشعار المستفز تسبب في أحداث فوضى وشغب بعد خروج الجماهير من الميدان، كما جرت العادة في كل اللقاءات التي تجمع بين جماهير الفريقين. وإذا كان من المنطقي التساؤل حول القصد من وراء الاستفزاز اللفظي الذي أطلقته الجماهير القنيطرية داخل الملعب، مع علمها المسبق بأن عادة أنصار الجيش الملكي في الرباط، هي التربص بجماهير الفرق الزائرة للاشتباك معها في أعقاب المباريات التي يستضيف فيها الفريق العسكري فرق المغرب الأخرى - والسجل الدامي لهذه الاعتداءات مايزال في الذاكرة - فإنه من المنطقي أكثر البحث في أسباب هيجان جماهير حلالة بويز التي تعتدي على الجميع بطريقتها العنيفة في هذا الموسم، بدءا من رئيس فريقها إلى جماهير الفرق المنافسة مرورا بالتحكيم والعشب والكرة والجو...!!أحداث ما بعد مباراة الجيش الملكي والنادي القنيطري وما سبقها من استفزاز باتجاه الجمهور والفريق العسكري، يعيد إلى الواجهة شرعية هذا الفريق داخل منظومة كرة القدم المغربية، باعتباره فريقا يمثل مؤسسة ينتمي إليها كل المغاربة. لن يقبل أي مغربي أن يشتم أو تدنس الشعارات من هذا الجمهور أو ذاك، إحساس المغاربة ككل باعتزازهم بالمؤسسة العسكرية، الثابت الأساسي في الشعور الوطني المغربي، بعد الملكية، بنفس القدر الذي لا يقبل المغاربة أيضا - أو على الأقل جماهير كرة القدم - أي تفضيل للفريق العسكري، أو معاملة تميزه عن باقي الأندية الوطنية.تمثيل مؤسسة وطنية كالجيش في البطولة المغربية، والمنافسة ضد فرق مدنية وضع شاذ حان الوقت للتفكير فيه بجدية، حتى تدخل الممارسة الكروية في بلادنا مجال التنظيم المحترف السليم، كما هو الحال في كل الدول الديمقراطية. وضع فريق الجيش الملكي في الكرة المغربية، يحيل على فترة زمنية انتهت أسبابها، بزوال الحرب الباردة و تقلص عدد الدول الشمولية، وانتفاء مظاهر تأكيد العلامات السياسوية في مجالات الرياضة. فرق تمثل المؤسسات العسكرية وتتنافس في الرياضة مع فرق مدنية، تحيل أيضا على حالات سياسية شاذة لبلدان أعلنت حالة الطوارىء منذ عقود ولم ترفعها إلى اليوم كسوريا ومصر، اللتان تحتفظان بفريقين على شاكلة الجيش الملكي في دورياتها المحلية !!التفكير في الوضع الشاذ للفريق العسكري في المنافسة وسط فرق مدنية لا تمليه فقط أسئلة الشرعية، وخصوصيات المؤسسة الوطنية التي يمثلها بألوانه، والتي تمثل بدورها كل المغاربة. بل هناك أيضا حالته في النظام العام للدوري المغربي الذي يدخل ابتداء من الموسم القادم عهد الاحتراف، الذي تتناقض أفكاره الأساسية مع الكينونة الخاصة لفريق مثل الجيش. في الحديث عن تأهيل الكرة، يتوجه منظرو العهد الجديد إلى تحديث الأندية المغربية، مع إجبارها على الالتزام بدفتر للتحملات يقر بقابليتها للافتحاص المالي مرة كل سنة، ثم سنها لقانون داخلي يحدد العلاقات داخلها بوضوح، في أفق تحويل كل الأندية إلى شركات خلال السنوات القليلة القادمة. ثلاثة إشكالات قانونية سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل على مسؤولي الفريق العسكري تطبيقها في أرض الواقع.الوضعية المهنية للاعبي الجيش الملكي عرقلة أخرى أمام تطبيق مفاهيم الاحتراف في المغرب وسبب آخر لانتهاء عهد الفريق العسكري في البطولة المغربية. ففي الوقت الذي تنص اللوائح الجديدة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على أنه ابتداء من 20 يونيو القادم يمكن لكل لاعب لم يتقاض راتبه الشهري لفترة تزيد عن ثلاثة أشهر، أن يتحرر من العقد الذي يربطه بفريقه، وإذا علمنا بأن لاعبي الجيش يدمجون في سلك الدرك الملكي بمجرد حملهم لقميص الفريق، تزداد وضعية الجيش الملكي في التناقض مع تطبيق هذا التفصيل القانوني.الجيش مؤسسة يفتخر بها وينتمي إليها كل المغاربة. واستفراد مؤسسة رياضية أو جمهور معين بالانتماء إليها يضعها في موقع التضاد مع باقي المغاربة. وضع شاذ يجب أن ينتهي.