الخمار العلمي أستاذ التعليم العالي في سوسيولوجيا التربية بالمدرسة العليا للأساتذة تحول عزوف النساء عن الطبخ وباقي الأعمال المنزلية إلى ظاهرة اجتماعية، تفرز مشاكل عديدة بعد الزواج فتؤثر على حياتهن وعلاقتهن بأزواجهن. في الحوار التالي يتطرق الأستاذ الخمار العلمي إلى الأسباب وراء هذا العزوف والمشاكل المترتبة عنه، وكيفية تجاوزها. كيف يمكن تفسير ظاهرة عزوف الزوجات عن الطبخ والقيام بالأعمال المنزلية؟ لا يمكن الحديث عن عزوف الفتيات والنساء عن القيام بالأعمال المنزلية، دون التطرق إلى التحولات التي عرفها المجتمع المغربي في نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة، ذلك لأن المجتمع المغربي في إطار توزيع العمل الاجتماعي في شكله التقليدي القائم على أساس الجنس، كان يرتكز على تقسيم الأمكنة إلى أمكنة عمومية خاصة بالرجال وأخرى خاصة بالنساء، ومن ثم كان الرجال يمارسون خارج المنزل كل الأعمال المرتبطة بالقوة والعضلات، بينما يقتصر عمل النساء على الاهتمام بشؤون المنزل من طبخ وتنظيف وعناية بالزوج والأطفال. لكن الوضع سيتغير بعد ولوج الفتاة المدرسة والمرأة سوق الشغل، ومن ثم كان طبيعيا أن تتغير الذهنيات لتواكب تطور المجتمع، وبالتالي الأدوار، بحيث لن يبقى الجنس معيارا لتوزيع العمل، بل سيقوم ذلك التوزيع على أساس التعاقد بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بطبيعة العمل على أساس الاستحقاق، والتحصيل والذكاء. . وهكذا، وبفعل خروجهن إلى سوق العمل، تحولت النساء إلى شريكات لأزواجهن في العمل خارج المنزل. لكن بدل أن يحصل هذا التحول ويغير العقلية الذكورية المغربية كي تتشبع بقيم الإنصاف والمساواة والعدل، بقيت متشبثة بالامتياز الذي يمنح الرجال درجة بالمقارنة مع النساء، إذ بالرغم من كونهما يتساويان من حيث المبدأ في العمل خارج المنزل، يبقى الزوج معفيا من أعمال المنزل، كما لو أنها من اختصاص الزوجة بمفردها، وليست مهمة مشتركة بينهما. أمام هذا الوضع وفي ضوء تنامي حقوق النساء، برز نوع من التمرد من طرف النساء على صنمية العقلية الذكورية وعلى التوزيع الجنسي للأدوار، ومن ثم يفهم امتناعهن عن القيام بالأعمال المنزلية دون مشاركة الزوج في تحمل هذه الأعباء المشتركة. ما هي المشاكل التي تفرزها العقلية الذكورية المتحكمة في توزيع الأدوار والمهام بين الزوج والزوجة؟ يمكن اختزال المشاكل التي تؤثر على حياة الزوجة وعلاقتها بزوجها في ثلاث مفارقات. ترتبط الأولى بالعلاقة بين الشغل والحرية، فالمفروض أن المرأة حينما تكون شريكة للرجل في ممارسة مختلف المهام داخل المجتمع، أن تتمتع بكامل الحرية في القيام بعملها سواء داخل المنزل أوخارجه، لكن حينما ترغم على القيام بالأعمال بمفردها داخل المنزل كما هو الشأن خارجه، فإن ذلك يؤثر على مبادئ الحرية والمساواة والعدل، ويفقدها معانيها، كما يحول دون أن يحقق المجتمع تطورا ملموسا لبلوغها. المفارقة الثانية ترتبط بانعكاسات العقلية الذكورية المتحكمة في توزيع الأدوار على شخصية المرأة بسبب الأعباء الإضافية التي تتحملها داخل المنزل ولا يتقاسمها زوجها معها، مما يؤدي إلى معاناة نفسية وإحباطات داخلية تجعل المرأة تشعر بأن خروجها إلى الشغل لم يحررها أو يمنحها كرامتها بقدر ما يستعبدها، فتنعكس تلك المعاناة النفسية على سلوكاتها وأسلوب تعاملها مع زوجها وأطفالها ومحيطها. أما المفارقة الثالثة فتتمثل في كون الزوجة حينما تشتغل خارج وداخل المنزل دون أن تستفيد من مساعدة زوجها في القيام بالأعمال المنزلية، فإن ذلك ينعكس على طبيعة مردودية عملها الخارجي إذا كان في قطاع من القطاعات المنتجة، ومن ثم يؤثر ضعف مردوديتها على النمو الاجتماعي والاقتصادي داخل المجتمع الذي تنتمي إليه. إن مشكلة عدم مساهمة الزوج مع زوجته في تحمل أعباء المنزل يؤدي إلى مشاكل مرتبطة بضعف النمو الاقتصادي، وضعف نمو الشخصية، كما يحول دون التطور في مجال حقوق الإنسان وبالأخص حقوق المرأة التي لا تتجزأ عن هذه الحقوق. ما هي الحلول التي من شأنها المساهمة في تجاوز تلك المفارقات؟ لتجاوز هذه المفارقات لا بد من التفكير في إيجاد صيغ بديلة لتوزيع الأدوار والتقسيم الجنسي للعمل، وتربية الجيل الناشئ على الحقوق المتبادلة بين الزوجين، والكرامة الإنسانية، ومبادئ المساواة بين الرجل والمرأة من حيث الحقوق والواجبات مهما كانت طبيعة الشغل الذي يمارسانه. أما إذا كانت المرأة لا تشتغل خارج المنزل فيجب اعتبار الأعمال المنزلية التي تقوم بها عملا مثلما هو عمل الزوج خارج المنزل، الأمر الذي يقتضي أن يساعدها الزوج في ذلك متى كان ممكنا، وهذا ما يؤدي إلى الإنصاف وتحقيق التكامل بين الطرفين. لكن إذا كانت الزوجة تعمل خارج المنزل كما هو الشأن بالنسبة لزوجها، فحينها يجب عليهما التعاون والتكافل من أجل القيام بمهام مشتركة في تربية الأطفال وإعداد وجبات الأكل، وتدبير الشأن المنزلي بشكل عام. وأعتقد أن مدونة الأسرة والمقتضيات الجديدة في الدستور الجديد تضمن المساواة في الحقوق والواجبات بين الرجال والنساء، وعلينا التفكير مستقبلا في إدماج هذه الحقوق والواجبات في برامجنا ومناهجنا التربوية والمساجد بالإضافة إلى وسائل الإعلام، وبذلك نعد جيلا يدافع عن المساواة والإنصاف ويصبح أي شغل كيفما كان جزءا من كرامة الإنسان ومدخلا لتحقيق التكافل والتضامن بما يخدم استقرار الأسرة دون حدوث أي نوع من التمييز بين الرجل والمرأة.