تحولت ظاهرة عزوف الشباب في المجتمع المغربي عن الزواج، بالرغم من توفره على الإمكانيات المادية، إلى مشكلة تؤرق كافة فئات المجتمع، في الحوار التالي يبين أستاذ علم الاجتماع الخمار العلمي الأسباب الكامنة وراء اتخاذ الشباب لقرار العزوف عن الارتباط والزواج. ما هي الأسباب التي تدفع الشباب إلى العزوف عن الزواج بالرغم من توفرهم على الإمكانيات الضرورية لذلك؟ إن ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج هي ظاهرة كونية ويرجع ذلك لكون الشباب اليوم أصبحت له الحرية في اختيار الشريك وعندما تكون هناك حرية الاختيار فإن هذا العنصر يؤجل الارتباط. كما يرجع ذلك لكون الظروف التي تعيشها المجتمعات على مستوى الحق في التعليم وما يعرفه من تحول اجتماعي واقتصادي وتكنولوجي وكذلك على مستوى تحول القيم، كل هذه الأشياء تساهم في تأجيل الزواج. وحسب الإحصائيات التي تقدمها المندوبية السامية للتخطيط فإن سن الزواج بالنسبة للذكور بلغ 32 سنة عند الذكور، وبالنسبة للفتيات 28 سنة. ولكن هناك أيضا أسباب أخرى كصعوبة وجود الموارد الكافية لتلبية حاجات الزوجين. أما أن يتأخر الزواج بالنسبة لبعض الشباب بعد هذا السن وهم يتوفرون على هذه الإمكانيات فإن ذلك يحتاج إلى دراسات دقيقة لمعرفة السبب الذي يدفعهم لتأخير الزواج أو الامتناع عنه. ويمكن أن نرجع ذلك إلى أسباب عميقة في المجتمع المغربي المعاصر الذي انخرط في تحول كوني لما يعرف بالحداثة الاجتماعية التي تقوم على ثلاث عناصر هي الفردانية والحرية والاستقلالية. والشباب المغربي ينخرط في هذا التحول العميق للشخصية للحداثية باعتبارها تمجد الفردانية، يقع في نوع من الازدواجية بين حداثة الفردانية وبين مجتمع له قيم مخالفة لقيم المجتمعات الحداثية. ففي الغرب يمكن للشباب أن يمتنع عن الزواج ولكن يمكنه بناء علاقات شخصية لا تربطها علاقات زوجية بينما في المجتمع المغربي العلاقة بين شخصين لا يمكن أن تكون إلا إذا كانت خاضعة لضوابط الشرع، وكل علاقة غير شرعية يعاقب عليها في القانون. ومع ذلك نجد الشباب بعيشهم في هذه الفردانية والحرية والاستقلالية باعتبارهم نتاجا لتاريخ وتنشئة اجتماعية خاصة تجعلهم يؤجلون الزواج أو يتمنعون عن ذلك، ويمكن هنا الحديث عن فرضيات كأن يكون هؤلاء الأفراد في إطار التشبع بمبدأ حرية الاختيار يصعب عليهم التكيف مع مفهوم المساواة لأن الزواج اليوم يقتضي أن يكون هناك مساواة بين الطرفين فحينما تتعارض العلاقة بين حرية الفرد وعيش حرية تقوم على المساواة بين الشريكين يكون هناك تصدع وهذا الأمر يخلق نوعا من التردد والتريث ولذلك يمكن أن يتراجع البحث عن رابطة زوجية. السبب الثاني يكمن في كوننا لا يمكن أن ننجح وننتصر على كل الواجهات، فلا يمكن للشخص أن يعيش حرا مستقلا ويحقق فردانيته حسب مبادئ الحداثة وفي نفس الوقت أن ينخرط في علاقة زوجية تتطلب منه تنازلات وتعاقدات ومن تم يصعب عليه التوفيق بين هذين العنصرين. أما السبب الثالث فهو يرجع إلى الضعف العام في المجتمع المغربي باعتباره مجتمعا انخرط في دينامية كونية فقد معها مفهوم الالتزام باعتباره القدرة على تحمل هذا التفاوت والاختلال بين كون الإنسان حرا وكونه مسؤولا ومتضامنا في إطار علاقة ما، هذا الوضع جعل الفرد لا يستطيع أن يلتزم لكونه لم ينشأ على هذا المفهوم سواء في المدرسة أو في الأسرة باعتبار أن الزواج هو القدرة على التنازل والتضحية لأن الارتباط بشخص آخر يحقق المناصفة فيما يرتبط بالحياة اليومية. ما هي انعكاسات ونتائج هذا العزوف على المجتمع؟ كل المجتمعات تنطلق من نواة الأسرة، كلما كانت العلاقة الأسرية مبنية على الاحترام الواجب لكل طرف وعلى المساواة في الحقوق والواجبات والالتزامات الزوجية وعلى التقدير المتبادل بين الشخصين، كلما انتقلت هذه الروح الديمقراطية من الأسرة إلى المجتمع كلما تحول إلى مجتمع ديمقراطي. وحينما تتفكك الروابط المتينة للأسرة من خلال الفرار من رابطة الزوجية إما بسبب الدوافع التي سبق ذكرها أو بسبب أن البعض يجد ما توفره له بعض الظروف المتاحة في المجتمع المغربي مثل العلاقات الجنسية الغير خاضعة لضوابط شرعية وقانونية كالدعارة، وحينما يفر الشباب إلى هذا الحل خارج رابطة الالتزام فإن العلاقة بين الزوجين تكون ضعيفة ومن تم يؤثر على روابط المجتمع الذي يصبح أيضا ضعيفا. ما هو دور الأسرة ومؤسسات التربية في إعداد هؤلاء الشباب لتجنب العزوف عن الزواج رغم الإمكانيات المتوفرة لهم؟ أريد هنا أن أركز على الظروف الاجتماعية التي تؤدي إلى هذا الوضع، وخاصة الكيفيات التي تتشكل بها حكايات الحب والحياة الزوجية، فقد كان الدين والعادات يقومان بهاته الأدوار لكن اليوم أصبح الأمر معقدا جدا لتداخل الثقافات والعادات والتقاليد، ولكونية القيم ومن هنا لابد أن تقوم الأسرة بإعداد أبنائها ليس بواسطة تحفيزهم لأن هذا الأمر لا يحتاج إلى تحفيز، ولكن يحتاج أن تبين الأسرة لأبنائها منافع الزواج، وكيفية تحقيق العدالة والإنصاف في هذه الروابط، لأنها ضرورية لسلامة الفرد والأسرة والمجتمع لأنه حينما نؤكد على الحافزية فنحن نربيهم على النفعية، لكن إذا ربيناهم على الإرادة والدعوة إلى أهمية وقيمة الحب في الحياة فإننا نخلق فيهم إرادة حقيقية لخلق أسرة متماسكة ، عادلة متضامنة ومنصفة. أستاذ التعليم العالي في سوسيولوجيا التربية بالمدرسة العليا للأساتذة