يمارس عبد الصمد التاغي مهنة المحقق الخاص منذ سنة 2003 بمدينة المحمدية مسقط رأسه، ومقر شركته الخاصة، لكنه اعتاد التنقل بين مدن وأقاليم المملكة، من خلال الملفات الكثيرة والمتنوعة التي اشتغل عليها بمساعدة شريكه المحقق صلاح الدين العلوي المدغري، فعايش عن طريقها هموم زبنائه ومعاناة آباء وأمهات، حاصرتهم الشكوك والهواجس حول سلوكات أبنائهم المراهقين، قبل أن يتمكن من وضع حد لمعاناتهم، بكشف الغموض الذي ظل يعكر صفو علاقتهم بأبنائهم. غابت الابتسامة عن وجه المحقق عبد الصمد التاغي، بمجرد أن عاد بذاكرته إلى الوراء، وبدأ يستحضر حكاية السيدة التي دفعتها معاناتها إلى مهاتفته من مدينة آسفي قبل أن تأتي إلى مكتبه، كي تطلب منه مراقبة ابنتها ذات الثامنة عشر عاما، بعد أن لمست تغييرا مفاجئا في تصرفاتها وسلوكاتها، وأنبأها حدسها كأم بأن ابنتها تعيش مرحلة عصيبة قد تعصف بمستقبلها. البحث عن الحقيقة انقلبت حياة الأم رأسا على عقب بعد انفصالها عن زوجها الذي كان يشتغل في إحدى المدن البعيدة، بحيث ساءت علاقتها بابنتها، بعد أن شعرت بأن الأخيرة قد خرجت عن طوعها، كما بدأت الشكوك تساورها حول انسياقها خلف أصدقاء السوء، والخوف من أن يؤثر ذلك على مستقبلها ودراستها، رغم أن الإبنة كانت تحصل على درجات عالية تجعلها دوما من ضمن التلاميذ المتفوقين. خلال حديثها عن معاناتها، أصرت الأم على أن تحمل طليقها المسؤولية الكاملة في كل المشاكل التي أصبحت تواجهها مع ابنتها، معتبرة أنه أساء تربيتها، لأنه كان يفرط في تدليلها ويمنحها كل ما تطلبه من مال دون أن يسأل عن الغاية وراء طلبها له. حصل عبد الصمد على كل المعلومات التي من شأنها مساعدته على الوصول إلى الحقيقة بالإضافة إلى صورة الفتاة، ليتوجه مباشرة إلى مدينة آسفي رفقة شريكه المحقق صلاح الدين المدغري العلوي، حيث سيحرصان طيلة أيام على مراقبة تحركات الإبنة منذ أن تغادر منزل والدتها في الصباح في اتجاه الثانوية حيث تدرس، إلى أن تعود في المساء لمعرفة خط سيرها. بعد التحريات، سيكتشف المحققان من خلال تعقبهما لها في كل الأماكن التي تقصدها، بأن الفتاة منغمسة في دوامة الإدمان، وتتعاطى المخدرات، لكنها بالرغم من ذلك نجحت في إخفاء إدمانها عن والدتها، بحيث لم تكن تعود إلى المنزل إلا بعد أن تتخلص من تأثير المخدرات التي تتعاطاها، وتعود إلى حالتها الطبيعية. حل اللغز سيكون للصدفة دور مهم في معرفة السبب الحقيقي وراء تغير طباع الإبنة وإدمانها على تعاطي المخدرات، وذلك بعد أن يقع نظر المحقق صلاح الدين على حزام جلدي، كانت الأم تضعه داخل سيارتها، ويسألها عن سبب وجوده، لتخبره بأنه الوسيلة التي تستعملها في معاقبة ابنتها، بل وتستخدم أيضا «كابل» تلفاز في حال رفضها الانصياع لأوامرها. إفراط الأم في استخدام العنف ضد ابنتها، بالإضافة إلى استفادتها من جلسات العلاج النفسي للتخلص من المشاكل النفسية التي تعاني منها، كانا أمرين كافيين لحل اللغز، وكشف الغموض الذي كان يلف علاقة الأم بابنتها، بحيث سيدرك المحقق عبد الصمد التاغي بأن الأم كانت تخشى من أن تفضل ابنتها العيش في كنف أسرة طليقها، وأن يتمكن الأخير من انتزاعها من بين أحضانها، وذلك من خلال لهجة الكراهية والعصبية التي تطغى على حديث الأم حين يكون موضوعه طليقها وأفراد عائلته. خوف الأم من فقدان ابنتها إلى الأبد بعد أن تذهب للعيش مع والدها، كانت تترجمه بضربها وتعنيفها، وبمحاولاتها الدائمة في تقليص هامش الحرية الذي تحتاج إليه، وهو ما جعل الإبنة تنفر من والدتها وتحاول الهروب من الجحيم الذي تعيشه داخل البيت من خلال تعاطي المخدرات. أخبر عبد الصمد الأم بحقيقة إدمان ابنتها، وهي الحقيقة التي كانت بمثابة صفعة قوية أيقظتها بقسوة من الوهم الذي كانت تعيشه، لكنها في الوقت ذاته جعلتها تعيد النظر في تصرفاتها مع ابنتها وأسلوب تعاملها معها، في محاولة لتدارك أخطائها، وتخليص ابنتها من براثين الإدمان. في شرك الإدمان لم يكن ذلك الملف الوحيد فيما يتعلق بمشاكل الآباء والأمهات مع أبنائهم المراهقين، الذي يكلف المحققان التاغي والعلوي بالتحقيق فيه، بحيث ستوكل إليهما مهمة مراقبة تلميذة في الثامنة عشر من عمرها، ساورت الشكوك والديها حول احتمال تعاطيها المخدرات وتدخينها للسجائر. بالرغم من حرص والديها فيما يتعلق بمصروفها على منحها القدر الذي بالكاد يكفي لتلبية احتياجاتها الضرورية، حتى يغلقا في وجهها إمكانية اقتناء السجائر، ستكشف تحريات المحققين التاغي والعلوي بأن الفتاة كانت تعرف الطريق إلى تحقيق اكتفائها من المواد التي تتعاطاها، دون الحاجة إلى مال والديها. خلال أيام من شهر رمضان، بدأت مهمة التاغي والعلوي في مراقبة تحركات الفتاة، لمعرفة الأماكن التي ترتادها والأشخاص الذين تجالسهم وتتعامل معهم. كانت الفتاة تغادر منزل أسرتها في كل مساء بمجرد أن تنتهي من تناول وجبة الفطور، وتتوجه إلى إحدى المقاهي، حيث اعتادت أن تلتقي كل يوم بشاب تجمعها به نفس «البلية»، لكي يدخنا السجائر بالإضافة إلى «الجوانات». بمجرد انتهائهما من جمع المعطيات اللازمة لإثبات أن التلميذة لم تقلع بعد عن عادة التدخين وتعاطي المخدرات، سوف تأتي اللحظة الأصعب بالنسبة للمحققين التاغي والعلوي ألا وهي إخبار والدي التلميذة عن نتائج التحريات التي قاما بها. وجد المحققان صعوبة كبيرة في إقناع الوالدين بنتائج التحريات، بحيث عجز كل من الأب والأم عن تقبل تلك الحقيقة القاسية، خاصة أن الإبنة كانت تعود إلى المنزل وهي في كامل وعيها، ولا تظهر عليها أعراض تعاطي المخدرات كما لا تنبعث منها رائحة السجائر. حقيقة لا يتحملها الوالدان «بالرغم من الأدلة والبراهين التي نقدمها لهم يرفض العديد من الآباء والأمهات تصديق كون أبنائهم المراهقين يتعاطون المخدرات أو يتناولون المشروبات الكحولية»، يقول المحقق صلاح الدين العلوي المدغري، الذي يؤكد أن معظم الآباء والأمهات الذين يشكون في إدمان أبنائهم منذ البداية، ويطلبون مراقبتهم، لا يتحملون حتى سماع الحقيقة التي تكشف عنها التحريات، لأنهم يتمنون أن يتم نفي شكوكهم كي يطمئنوا وليس تأكيدها. ويستحضر المحقق العلوي كمثال على ذلك حالة أم، طلبت أن يتم مراقبة تحركات ابنها ذي السادسة عشر ربيعا، بعد أن أصبح يكثر من الخروج، ولا يعود إلى المنزل إلا في ساعات متأخرة من الليل. لن يتطلب اكتشاف السر الذي يخفيه الإبن الكثير من الوقت وعناء التنقل بين أماكن كثيرة، بحيث ستكون الوجهة الوحيدة للإبن المدلل هي الملاهي الليلية التي يرتادها رفقة مجموعة من أصدقائه، بعد أن يحصل من والديه على المال الكافي الذي يضمن له قضاء سهرة ممتعة. تناول الإبن لثلاث زجاجات من «الويسكي» في تلك الليلة، كان مصدر دهشة ومفاجأة كبيرة بالنسبة للمحققين التاغي والعلوي، اللذين أصيبا بحالة من الذهول بعد أن رأيا كيف ظل الفتى المراهق يحافظ على توازنه، ويعود إلى منزل أسرته المتواجد بأحد الأحياء الراقية، وكأن شيئا لم يكن، بعد أن يستعمل العطر للتخلص من رائحة الخمر. في المقابل شكلت نتائج تلك التحريات صدمة قوية بالنسبة للأم التي رفضت الاقتناع بمصداقيتها رغم كل ما قدم لها من دلائل، وذلك بعد أن شعرت بأنها تتعرف للمرة الأولى على الابن الذي سكن رحمها.