اختار رشيد ويوسف حياة العزوبية بالرغم من توفرهما على الإمكانيات المادية، التي تسمح لهما بفتح بيت وتكوين أسرة، تختلف أسباب كل واحد منهما إلا أن النتيجة واحدة هو اقتناعهما بالعيش دون ارتباط يقيد حريتهما ويجبرهما على الالتزام بمسؤوليات لا قبل لهما بتحملها. يوزع وقته بين وظيفته وأصدقائه، يعود متأخرا إلى شقته التي اختار العيش فيها وحيدا دون مؤنس، يشاهد التلفاز أو يقضي بعض الوقت في الحديث إلى أصدقائه الذين جمعه بهم العالم الافتراضي إلى أن يحين موعد نومه، ثم يخلد للنوم استعدادا لاستقبال يوم جديد. الزواج « غيصداع الراس» يرفض رشيد البالغ من العمر أربعين سنة الارتباط وتكوين أسرة بالرغم من توفره على الإمكانيات المادية، التي تجعله يعيش حياة أسرية مريحة، خاصة أنه تعود على العزوبية والوحدة، التي وجد فيها راحته. يعمل رشيد موظفا في إحدى الشركات الخاصة، وظيفته هاته تؤمن له دخلا محترما، يستطيع من خلاله تكوين أسرة مستقرة ماديا، بالنظر للإمكانيات التي يتوفر عليها، لأنه يمتلك كل المقومات التي تجعله يعيش حياة كريمة. الوسط الأسري الذي عاش فيه رشيد لا يعترف بحرية الشخص في اختيار حياة العزوبية، لذلك كانت عائلته تصر عليه من أجل إيجاد زوجة تكون له سندا في الحياة، وهو الأمر الذي كان يرفضه رشيد ويعتبره نوعا من التدخل في حياته الخاصة وفي اختياراته. هذا الإصرار من طرف العائلة دفع رشيد إلى اتخاذ قرار الاستقلال بحياته بعيدا عن تدخلات الأسرة، لأن رؤيته للأمور تختلف عن الطريقة التي تحلل بها أسرته عزوفه عن الزواج، والتي تعزي هذا الأمر إلى تعرضه «للسحور» من طرف إحدى صديقاته، أو الغيورين منه. يعرف رشيد كل الأمور التي تدور في مخيلة عائلته، كما يعرف مخاوفهم، لكنه مقتنع جدا بقراره مادام لا يجد في نفسه القدرة على تحمل مسؤولية أسرة بكاملها، ويحب حياة الانطلاق والحرية بعيدا عن الارتباط بأشخاص معينين. لا يجد رشيد في الزواج إضافة جديدة لحياته، فهو يرى أن كل ما يمكن أن توفره له الزوجة يمكن أن يجده دون عناء، فكل شيء من وجهة نظره متوفر شريطة أن يمتلك الشخص المال الكافي. فالزواج بالنسبة لرشيد ليس سوى « صداع الراس» لأنه يعتبره شرا يجب على الإنسان تجنبه قدر الإمكان، مادام قادرا على عيش حياة سعيدة دون مشاكل. يعتمد رشيد على نفسه في توفير كل حاجياته، والأشياء التي لا يستطيع القيام بها بنفسه يدفع المال لمن يستطيع أخذ مكانه في القيام بها. فهو وجد راحته في الطريقة التي اختار أن يعيش بها حياته، ولا يرى أن الارتباط قد يضيف شيئا جديدا لحياته، وإنما قد يتحول إلى عقبة تعرقلها، عندما يصبح مثقلا بهموم ومشاكل الأولاد. العزوبية حتى الموت اختار يوسف العيش رفقة والديه، بالرغم من توفره على الإمكانيات التي تمكنه من الزواج والاستقرار، والعيش بعيدا عن حضن الأسرة، إلا أنه على غير المتوقع قرر البقاء وحيدا مفضلا حياة العزوبية، على الارتباط وتكوين أسرة. يوسف الإبن الأصغر بين ثلاث فتيات عاش حياته في «الفشوش» وكل رغباته كانت مستجابة من طرف جميع من في البيت، وحتى رغباته الجنسية يجد دائما من يلبيها له في الخارج مادام قادرا على دفع الثمن. يوسف الذي تجاوز عمره الأربعين بسنتين، يعيش حياة مادية مستقرة، بالنظر للمرتب المرتفع الذي توفره له الوظيفة التي يعمل بها، والذي يؤمن له كل احتياجاته ومصاريفه الضرورية. كل ما يمكن أن يطلبه الشخص من الارتباط والزواج وجده يوسف في عزوبيته، فوالدته تحرص على توفير كل متطلباته العادية من أكل ولباس، فيما يعرف أين يجد طلباته الأخرى، فالزواج بالنسبة لن يكون فيه أي إضافة له، ولحياته الحالية التي يعتبر أنه لا يشوبها أي نقص. « آش غادي ندير بشي زواج ولا صداع مادام عايش هاني» عبارة حملها يوسف كل شيء فيما يخص رأيه بالزواج، فهو يخاف من الفشل ومن عدم قدرته على تحمل المسؤولية، التي لم يتحملها في يوم من الأيام خصوصا بعد غلاء المعيشة وزيادة طلبات الأبناء الذين يحتاجون لمستوى معيشي معين. يجد يوسف في حياة العزوبية الراحة التي يرى أنها يمكن أن تضمحل وتنتهي بالزواج، لذلك فهو من الذين يرفعون شعار العزوبية حتى نهاية العمر، ولا يرى أنه يمكن أن يغير رأيه في يوم من الأيام، ويتراجع عن قراره مهما كان السبب.