هم وتوجس وكثير من القلق يستبد بالقيادة الجزائرية من التحركات الدبلوماسية المغربية، والنتيجة لجوء عبد المالك سلال الوزير الأول الجزائري إلى عقد مجلس وزاري مشترك، خصصه للوضع الأمني بأبعاده الداخلية والإقليمية، حيث تم التطرق إلى ملفات على رأسها تداعيات الوضع في منطقة الساحل ومالي وتسيير انعكاساتها على المستويين الأمني والإنساني بالنظر إلى النزوح المسجل للاجئين. الملاحظة التي استأثرت باهتمام الجزائريين هي طبيعة التحركات المغربية التي قالوا إنها تقتفي أثر الدبلوماسية الجزائرية ومحاولة التشويش عليها من خلال مبادرات موازية، والتقديرات التي اعتمدوها ترى أنه مباشرة بعد استقبال الجزائر للرئيس المالي إبراهيم بوباكر كايتا لدعم الوساطة مع حركات الطوارق في الشمال، سارع المغرب إلى تنظيم لقاء بمعية رئيس المخابرات ياسين المنصوري بين جلالة الملك محمد السادس وبلال اغ شريف الأمين العام للحركة الوطنية لتحرير أزواد، ليقدم المغرب نفسه كبديل للجزائر في الوساطة بين الطوارق والحكومة المالية، بدعوى فشل الجزائر في جمع وإرضاء كل الفرقاء الماليين. الاجتماع الخاص للحكومة الجزائرية برئاسة الوزير الأول يأتي لتنفيذ ما وصفته مصادر بالجزائرباعتماد مقاربة استباقية لتفادي التداعيات السلبية للمشاكل الأمنية التي تعاني منها دول الجوار، والتي يمكن أن تكون لها ارتدادات على الداخل سواء تعلق الأمر بمنطقة الساحل أو ليبيا وحتى تونس، وهو ما يدفع الجزائر إلى التحرك على جبهات متعددة، خاصة أن هذه الأوضاع تساهم في بروز مظاهر من بينها انتشار السلاح وتوسع احتمالات الاختراقات للعناصر المسلحة النشطة بالقرب من الحدود الجزائرية وبروز تحديات جديدة بالنسبة لدولة لديها حدود برية واسعة. الهوس الجزائري بما يجري في دول الجوار يجد تفسيره في التحركات الداخلية التي دفعت الجزائر إلى توسيع قدراتها الأمنية خصوصا في مجال التجهيز، منها اقتناء الطائرات دون طيار وشبكات التغطية وأنظمة الرادار من الجيل الجديد وتجنيد قوات إضافية لتأمين الحدود والحيلولة دون تسلل عناصر مسلحة من هذه الدول للقيام بعمليات استعراضية، على غرار ما قامت به عناصر تابعة لمجموعة «الموقعون بالدم» التي يتزعمها مختار بلمختار مستهدفة المركب الغازي تيقنتورين بعين أمناس في يناير 2013، والذي كان له صدى وتأثير محلي ودولي. ما يقلق الجزائر فعلا بالنسبة لمراقبين من داخل الجزائر هو تداعيات الإخفاق الدبلوماسي الجزائري في التعامل مع كل التحولات التي عرفتها دول الجوار، ففي ليبيا لم يتمكن النظام الجزائري من احتواء مساندته لنظام امعمر القذافي، واحتفاظ عدد كبير من التنظيمات الثورية في ليبيا بذكريات غير ودية تجاه الجزائر، وبمالي انعكس التلكؤ الجزائري في مساندة الجهود الدولية لدحر الإرهاب بهذا البلد، على علاقة الجزائر بأطراف متعددة في المشهد المالي، ولم تنجح الجزائر في كسب ود الفرقاء في تونس واحتارت في التعامل مع وضع معقد مع جبهة ملتهبة قرب حدودها. التواجد العسكري الفرنسي في مالي وإفريقياالوسطى يشكل صداعا لدى الطبقة الحاكمة في الجزائر، ويزداد الوجع حين يكون المغرب حاضرا في كل هذه الجبهات، ولذلك يعتبر المراقبون أن التحدي الأمني يبقى قائما خاصة مع بروز مؤشرات تحرك مغربي أيضا، لاسيما مع استقبال جلالة الملك محمد السادس لبلال اغ شريف ، وعرض الوساطة المغربية لحل مشكلة الأزواد، خصوصا وأن فصائل من الحركة لا يرغبون في وساطة جزائرية، وأنهم غير راضين عن التحركات الجزائرية، والتي ترجمت مؤخرا باستقبال الرئيس المالي إبراهيم أبو بكر كايت. الهوس الجزائري يذهب أبعد من ذلك في تضخيم التهديد المغربي ، حين تشير دوائر القرار في الجزائر إلى معلومات متداولة بخصوص ارتباط حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا بمصالح الاستخبارات المغربية، في خلطة من المعطيات تصور التحديات الأمنية على طول الحدود الجنوبية والشرقية للجزائر مع نشاطات مجموعات مسلحة قرب الحدود الجزائريةالتونسية كمصدر للقلق الجزائري، خاصة في ظل طول الحدود المشتركة مع البلدان المجاورة. الاجتماع الأمني الجزائري يأتي مباشرة بعد رفض الولاياتالمتحدةالأمريكية وتركيا وكندا للتصرفات الجزائرية في ملف الإرهاب في الساحل، والتي توجتها بمنع الوفد المغربي من المشاركة في ورشة حول الإرهاب في الساحل التي نظمها المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، وكرست النظرة الضيقة للجزائر في محاربة ظاهرة تهم المنطقة بأكملها، بل وفضحت رؤية الجزائر التي تتعامل مع هذه التهديدات بتوظيفها لمعاداة بلد جار، بدءا من اتهامات المخدرات والهجرة إلى علاقات وهمية للمغرب مع تنظيمات إرهابية، وهو ما يعكس حجم القلق من تحركات مغربية ناجحة في دول الساحل