لم تكن سارة تتصور وهي تغادر مدرستها في اتجاه منزل أسرتها، بأنها سوف تتعرض في ذلك اليوم لأبشع أنواع الانتقام على يد من جمعتها به علاقة حب، انتقام لن يكون مرور السنوات كافيا لمساعدتها على تجاوز آثاره النفسية والمخلفات التي تركها على وجهها، فحولتها من فتاة مرحة محبة للحياة إلى أخرى عابسة، تعيش حالة من العزلة والخوف من مواجهة نظرات المجمتع. تقضي اليوم بطوله داخل المنزل، تلازم غرفتها ولا تغادرها إلا نادرا وبعد إلحاح طويل من أفراد أسرتها، الذين يحاولون إخراجها بشتى الطرق من عزلتها، ومساعدتها على تجاوز مرارة التجربة الصعبة التي عاشتها منذ سنوات، تجربة تركت آثارها على وجهها، فجعلتها تغطيه بوشاح حتى لا تضطر لمواجهة نظرات الاشمئزاز المغلفة بالشفقة في عيون كل من يرى الندوب والتشوهات التي أفسدت ملامح وجهها، ونزعت عنه الجمال الذي لطالما كان مصدر فخرها واعتزازها بين الناس. سارة التي تبلغ من العمر حاليا إثنا وعشرين سنة، كانت تتابع دراستها بإحدى الثانويات في مدينة الدارالبيضاء، كل ما يشغل تفكيرها في تلك المرحلة هو اجتياز امتحانات الباكالوريا بتفوق، والسير بخطى ثابتة نحو النجاح. جمالها الملفت، جعلها محط أنظار جميع الرجال، بحيث لم تسلم التلميذة المراهقة من معاكساتهم، ومن عبارات الغزل التي كانوا يرددونها على مسامعها، في محاولة للفت انتباهها واستمالتها لكن الفتاة التي تتميز ب«التباتة» وأخلاقها العالية اعتادت أن تقابل كل محاولاتهم بالتجاهل. سوف تنقلب حياة سارة رأسا على عقب بعد أن تضع الصدفة في طريقها شابا ملحاحا، لم ينفع معه صدها، وظل يطاردها كظلها أينما ذهبت، حتى نجح الشاب الذي يكبرها ببضع سنوات في تخطي كل الحواجز التي ظلت تضعها بينها وبين الجنس الآخر، وتمكن من مداعبة مشاعرها بالكلام المعسول، إلى أن جعلها تقيم علاقة معه، بدأت بالصداقة، قبل أن تتحول تدريجيا إلى حب، وعدها بأن نهايته ستكون الزواج، بمجرد أن يتخلص من براثن البطالة، ويعثر على وظيفة تضمن له مورد الرزق الكريم، من أجل تحمل مسؤولية أسرة. بعد بحث دؤوب تمكن الشاب أخيرا من العثور علي وظيفة بإحدى الشركات، ليقرر التقدم لطلب يد فتاة أحلامه، لكنه سيصطدم برفض أسرة سارة لطلبه، بسبب دخله المحدود، الذي لا يرقى لحجم طموحات الأسرة الميسورة، التي تتمنى لابنتها الجميلة زوجا ثريا «يبرعها»، لكي تحظى بنمط الحياة الذي اعتادت عليه. سارة التي لطالما كانت الابنة المطيعة لوالديها، عجزت عن تحدى أسرتها من أجل الارتباط بالشاب الذي تحبه، فقررت الانصياع لأموامر والديها بعدم رؤيته مجددا، بل وصارت تمتنع حتى عن الإجابة عن مكالماته. أمام إصرار الشاب المستمر على ملاحقتها، اضطرت سارة إلى اختلاق كذبة ارتباطها بشاب آخر معتقدة بأنها الوسيلة التي من شأنها جعله يبتعد عنها نهائيا، دون أن تحسب حسابا لعواقب ذلك الفعل. استشاط الشاب غضبا، لما سمعه على لسان من كان يحلم بالارتباط بها، ليغادر بعد أن أمطرها بوابل من الشتائم متوعدا إياها بالانتقام منها على خداعها له، لكن سارة لم تأخذ تهديداته على محمل الجد، في قناعة تامة بأن مشاعر الحب التي يكنها لها ستجعله عاجزا عن إيذائها. لن يتأخر الشاب طويلا في تنفيذ تهديداته، بحيث ظل يتصيد الفرص، إلى أن اكتملت شروط خطة الانتقام المحكمة التي وضعها، وانفرد بها بأحد الشوارع الخالية من المارة، حين كانت عائدة من الثانوية إلى منزل أسرتها، ليقوم برشها بزجاجة من «لما القاطع»، ويلوذ بالفرار تاركا إياها تصرخ من شدة الألم. هرع المارة وسكان العمارات المجاورة، وحاولوا إسعافها باستخدام الماء البارد، قبل أن يتم نقلها إلى أحد المستشفيات، حيث لن ينجح تدخل أطباء التجميل في إصلاح التشوهات التي أصابت خدها وعنقها، ليكون مصير الفتاة بعد تدهور حالتها النفسية هو مغادرة مقاعد الدراسة. احترقت أحلام سارة الوردية بالتفوق في دراستها والزواج، مثلما احترق وجهها بنار «الما القاطع»، نار لن يكفي لإخمادها حتى إلقاء القبض على من دمر حياتها، أو دفعه لسنوات من عمره بين قضبان السجن ثمنا للجريمة التي ارتكبها في حقها