قدم قضاة المجلس الدستوري هديتان ثمينتان لحكومة عبد الإله ابن كيران، في رأس سنة 2014. المجلس الدستوري حسم ليلة أول أمس الإثنين في دستورية مشروع قانون مالية العام القادم المنتظر أن يدخل حيز التنفيذ بعد ساعات قليلة من الآن، بعد كل الجدل الذي صاحبه في مجلس المستشارين والذي انتهى برفضه داخل هذه الغرفة. قضاة المجلس الدستوري لم يقضوا فقط بدستورية القانون المالي، وفق الطعن الذي أحاله 120 نائبا برلمانيا منتمين للفرق الاشتراكي والفريق الاستقلالي والفريق الدستوري، بل في دستورية الحكومة أيضا، حاسمين بذلك موضوع تنصيب الحكومة وضرورة تقديمها لبرنامج حكومي جديد بعد التركيبة الجديدة. المجلس الدستوري رفض ما ورد في عريضة الطعن من أن قانون المالية لسنة 2014 تم تقديمه من طرف حكومة جديدة غير منصبة، مما يعد خرقا لمقتضيات الفصول 88،99،89،92،93 من الدستور، فرق المعارضة، دونا عن فريق الأصالة والمعاصرة، كانت قد اعتبرت في طعن الإحالة، أنه كان يتعين على الحكومة بعد التغيير الذي طرأ على بنيتها السياسية على إثر انسحاب هيئة حزبية منها وانضمام هيئة حزبية أخرى، صياغة برنامج حكومي جديد يكون موضوع تعاقد جديد مع مجلس النواب، ويتفرع عنه قانون المالية كأداة لتنفيذ البرنامج الحكومي، ويترتب عن غياب هذا التنصيب بطلان مسطرة إحالة وعرض وتقديم ومناقشة قانون المالية والتصويت عليه. قضاة المجلس الدستوري رفضوا هذا الطعن معتبرين أن الحكومة، بعد تعيين أعضائها من قبل الملك وتنصيبها من لدن مجلس النواب طبق أحكام الفصلين 47و88 من الدستور، قد تعرف تعديلات في هيكلها التنظيمي وتغييرات جزئية في أشخاص أعضائها والهيآت المكونة لها وفق أحكام الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة من الفصل47 من الدستور. قرار المجلس الدستوري قال إن إعفاء الحكومة بكاملها لا يترتب إلا عن استقالة رئيس الحكومة، حسبما تنص عليه الفقرة السادسة من الفصل 47 من الدستور. كما اعتبر المجلس أن تجديد الهيكل التنظيمي للحكومة وتركيبتها وتوزيع الصلاحيات بين أعضائها وما قد يطرأ على كل ذلك من تغييرات بعد تنصيبها، أمور تعود إلى الملك وإلى رئيس الحكومة وفق أحكام الفصلين 47 و90 من الدستور، معتبرا أن انسحاب هيئة حزبية من الحكومة وانضمام هيئة أخرى إليها، يندرح في مسار السلوك السياسي للهيئات الحزبية التي يعود إليها وحدها تبرير ذلك أمام ناخيبها وأمام الرأي العام الوطني. في نفس خانة تنصيب الحكومة، اعتبر قضاة المجلس الدستوري أن البرنامج الحكومي المبين في الفصل 88 من الدستور، ينص على تنصيب الحكومة من لدن مجلس النواب، ينصب على البرنامج الذي تتقدم به الحكومة وليس على تركيبتها. وحسم المجلس الدستوري موقفه بتأكيد أن عدم تقديم الحكومة لبرنامج جديد، بعد التغيير الذي طرأ على بعض مكوناتها، يعد بمثابة التزام من الحكومة المعدلة بمواصلة تنفيذ البرنامج الأصلي الذي على أساسه نالت ثقة مجلس النواب، وأن ليس هناك ما يدعو دستوريا لتنصيب جديد للحكومة القائمة ما دامت هذه الحكومة لم يتم إعفاؤها بكامل أعضائها من لدن الملك نتيجة استقالة رئيسها المنصوص عليها في الفقرة السادسة من الفصل 47 من الدستور، وما دامت لم تغير برنامجها الأصلي مما يكون معه إيداع وتقديم ومناقشة مشروع قانون المالية برسم سنة 2014 والتصويت عليه ليس فيه ما يخالف الدستور. المجلس الدستوري رفض الطعون الأربعة الباقية المقدمة من لدن فرق المعارضة، التي تطعن في دستورية مشروع القانون المالي. رافضا في هذا الصدد التعلل بمخالفة نص الفصل 47 و84 من الدستور عندما اعتبرت المعارضة أن القراءة الثانية لمشروع قانون المالية من طرف مجلس النواب، لم تخالف نص الفصلين 47 و84 من الدستور وكذا المادة 159 من النظام الداخلي لمجلس النواب، بعلة أن هذه القراءة كان يجب أن تنحصر هذه القراءة في صيغة قانون المالية كما وافق عليه مجلس النواب وأحاله على مجلس المستشارين، إذ أن تصويت هذا الأخير ضد مشروع قانون المالية برمته بما فيه التعديلات التي أدخلها على المشروع يعتبر تصويتا ضد هذه التعديلات وتراجعا ضمنيا عنها وتنازلا عن مضمونها، مما يفقدها السند الشرعي.