أسدل مؤخرا الستار على المسرحية البئيسة التي دامت علنا ثلاثة أشهر، أما في الخفاء فتعد صراعا شخصيا جمع بين زعيمي حزب العدالة والتنمية والاستقلال أدى في الأخير إلى انسحاب الأمين العام حميد شباط من مكونات الأغلبية وتعويضه بحزب الحمامة بعد مفاوضات عسيرة تم التوافق مع حزب المصباح على تكوين حكومة جديدة اصطلح عليها حكومة النسخة الثانية، هناك بعض الظرفاء الذي علق فور الإعلان عن أسماء الوزراء الجدد ومنتدبيهم الستة، بذلك الجبل الذي تمخض فولد فأرا وفي الواقع يمكن القول بأن الانتظار الطويل لتشكيل الحكومة الجديدة تمخضت عنه زيادة في عدد الوزراء من حيث الكم , استحواذ التكنوقراط على مجموعة من الوزارات ذات الأهمية القصوى، فهل اللجوء للتكنوقراط جاء نتيجة لانعدام الكفاءات داخل الأحزاب أم أن هذه الأخيرة تعتمد على الزبونية وإرضاء الخواطر لصقورها في اختيار مرشحيها للاستوزار؟ لامجال للدخول في مناقشة حيثيات لما وصلنا إليه لأن ذلك سوف يدخل في إطار النقاش العقيم ولن نتساءل لما تم تعويض شخص بشخص آخر أو تغيير الأدوار وكأننا بفريق لكرة القدم يغير مدربه تحت ضغط أياد خفية مراكز لاعبيه أو الاستغناء ودون مبرر عن البعض وكمثال على ذلك ما معنى مثلا أن يقبل نجيب بوليف فيلسوف حكومة النسخة الأولى بأن يصبح وزيرا منتدبا مكلفا بالنقل وهو صاحب النظريات العظيمة والحلول الناجعة لإصلاح صندوق المقاصة أليس هو مهندس نظام المقايسة الذي للتذكير سبق اعتماده مابين 1999 و 2000 على الشركات لكن لم يثبت نجاعته . وكما أشرت في البداية فحكومة النسخة الثانية تضم تكنوقراطيين أمثال وزير المالية محمد بوسعيد الذي يحمل نظريا معطف حزب الحمامة فمن يكون هذا الوزير الذي يمكن اعتباره الرجل الثاني بعد رئيس الحكومة بيده مفاتيح الميزانية وهو المسؤول الأول لتسيير الاقتصاد الوطني ؟ . محمد بوسعيد ولد سنة 1961 بمدينة فاس تخرج من مدرسة القناطر والطرق الفرنسية, بعدها تدرج في مجموعة من المناصب داخل المقاولات المالية و الصناعية، عمل أيضا رئيس ديوان في كل من وزارات الأشغال العمومية ووزارة الفلاحة والتجهيز كان أول منصب وزاري له توليه وزارة تحديث الإدارة بعدها تولى منصب وزير السياحة في حكومة عباس الفاسي، محمد بوسعيد في سيرته الذاتية لا يمكن إلا أن تحمل إخفاقين فهو بالإضافة إلى كونه مهندس التكوين، هو أيضا مهندس المغادرة الطوعية التي لم تحمل معها سوى زيادة أعباء الدولة من حيث النفقات والتخلي على الأطر ذات الكفاءة العالية في مجالات متعددة وحساسة أهمها التعليم. وزير المالية الجديد يحمل إخفاقا آخر، فلحدود بداية شهر أكتوبر كان يشغل منصب والي مدينة الدارالبيضاء الكبرى وقد شاهدنا وسمعنا خطاب الملك الأخير في قبة البرلمان الذي شخص وبشكل دقيق الوضعية المزرية للعاصمة الاقتصادية، فهل العمدة فقط من يتحمل المسؤولية أم كذلك الوالي الذي يعتبر كذلك الآمر بالصرف لحدود هذه الساعة التي لم تفعل فيها مضامين الدستور الجديد وذلك بسبب تأخر الانتخابات الجماعية المؤجلة الى إشعار آخر . وكما يقول قائل الخير أمام وليكن حسن الظن هو شيمتنا، القادم الجديد لقلب الوزارات لا يمكن سوى أن نعبر له عن انتظاراتنا وآمالنا ليس فقط كمجتمع مدني بل كذلك كفاعلين اقتصاديين، لكن قبل كذلك لفت النظر للتقرير الأخير لمديرية الدراسات والتوقعات المالية لثلاث الأشهر الأخيرة الذي كان إيجابيا وذلك بفعل عاملين أساسيين الأول مرتبط بالمحيط العالمي حيث يسجل بداية تعافي اقتصاديات شركائنا الأوربيين كفرنسا واسبانيا أما الثاني فيرتبط بالمحيط الداخلي حيث سجل المغرب موسما فلاحيا فاق التوقعات وقد انعكس ذلك إيجابا على جميع القطاعات الاقتصادية. انتظاراتنا من وزير المالية الجديد يمكن تلخيصها في مجموعة من النقط التالية : أولا: قانون المالية لسنة 2014 يجب أن يراعي مصلحة المواطن من جهة والمقاولات من جهة أخرى فعلى مستوى المواطن يجب خفض الضريبة على الدخل ولم لا اعتماد النموذج الفرنسي الذي بموجبه يصرح الأجير للدولة لما له وما عليه عبر ملء استمارة يمكن لهذه الأخيرة أن تحمل الخصوصية المغربية لا مانع إذا كان الهدف هو حمل العبء على المواطن المغربي . بالنسبة للمقاولات فيجب دعم المقاولات الصغرى الحديثة الإنشاء عبر إعفاءات ضريبية لمدة ثلاث سنوات على الأقل هذا المطلب يتكرر مرارا لكن لحد الآن لا توجد آذان صاغية لن يتأثر الاقتصاد المغربي بهذا التحفيز خصوصا أن المعطيات الأخيرة لمديرية الضرائب أبانت أن الشركات الكبرى والتي تمثل 2 % تؤدي 98 % من مجموع مداخيل مديرية الضرائب . هذا المطلب وإن وجد الآذان الصاغية لوزير المالية فسوف يصطدم حتما برسالة الإطار لقانون المالية لسنة 2014 » Lettre De Cadrage » التي بعث بها رئيس الحكومة إلى جميع الوزارات ومما تضمنته هذه الرسالة وبشكل واضح هو كون قانون المالية لسنة 2014 لن يحمل معه أية إعفاءات. كيف سيتعامل مع هذه الرسالة خصوصا إذا علمنا بأن التحضيرات الأولية لقانون المالية تمت تحت إشراف عزيز أخنوش الذي تقلد منصب وزير المالية بالنيابة بعد استقالة الوزير الاستقلالي نزار بركة خصوصا إذا علمنا بأن تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2014 أمام أنظار البرلمان يوم 20 أكتوبر من الشهر الجاري، فهل ستكون رسالة الإطار أول نقطة صدام بين رئيس الحكومة ووزير ماليته سوف نرى؟ ثانيا : تطبيق توصيات المناظرة الوطنية الثانية للجبايات التي انعقدت شهر أبريل من العام الجاري عبر إحداث جبائية المجموعات المقاولاتية فما معنى أن تخضع كل شركة على حد نظام جبائي مستقل عن شركات أخرى تنضوي تحت ثوب نفس المجموعة، عدم تطبيق جبائية المجموعات يجعلنا بعيدين على مسايرة ما تعيشه أوروبا شريكنا الأول من تقدم على مستوى التسيير المالي . لا يمكن إغفال كذلك الضيعات الفلاحية الكبرى والتي استفادت لعدة عقود من الإعفاءات الضريبية. لقد حان الوقت كذلك لفرض الضريبة على مجموعة من المدارس التعليمية الكبرى التي وصل عددها إلى 4000 حسب آخر الإحصائيات هذه الأخيرة للأسف لا تتوانى في إثقال كاهل الآباء بزيادات سنوية غير معقولة وتتمتع لن نقول بإعفاءات ضريبية لأنه لحدود كتابة هذه السطور لا يوجد قانون جبائي يلزم المدارس التعليمية الحرة بأداء الضرائب باستثناء الضريبة على الدخل بالنسبة لموظفيها وليكن سن قانون جبائي على المدارس الخاصة سواء تعلق الأمر بالتعليم العادي أو العالي أحد الأوراش الكبرى لوزير المالية. ثالثا: رجوعا دائما إلى رسالة الإطار فقد حدد معدل النمو لسنة 2014 في نسبة 4 % هذا المعدل ربما اعتمد على دراسات وتوقعات قامت بها مجموعة من المديريات داخل وزارة المالية، للأسف مجموعة من المعطيات السابقة لحكومة النسخة الأولى كانت تصطدم مع معطيات وأرقام مغايرة لبنك المغرب ,لذا نتمنى أن تعمل كل من وزارة المالية وبنك المغرب في تناسق وتناغم وأكاد أجزم القول بأن السيد عبد اللطيف الجواهري معطياته أكثر مصداقية بل يجب التعامل مع بنك المغرب كشريك وفاعل اقتصادي مهم أكثر وبعيدا عن تلك الخلفيات السياسية التي لا معنى لها . رابعا : وزير المالية الجديد لانطلب منه أن يتخلى عن راتبه الشهري أو تعويضاته على التنقل و الإقامة فهذا حقه المشروع ولكن لا نريد أن نسمع بعد إنهاء فترة استوزاره أنه أمر بصرف منح غير قانونية فما معنى أن نطلب من المقاولات سداد ديونها وأن نكون أكثر مصداقية في التصريح بأرباحها بينما القدوة يبيح لنفسه ما يشاء . نتمنى لوزير ماليتنا الجديد أن يعمل في انسجام مع رئيس الحكومة وألا تتعرض حكومة النسخة الثانية لتراشق و اصطدام بين مكوناتها من أحزاب نأمل أن تضع في حسبانها أن مصلحة الوطن والمواطن تتطلب منا التضحيات، لا نريد أن نشهد صداما على شاكلة الوزير الأول السابق عباس الفاسي ووزير ماليته آنذاك صلاح الدين مزوار بل نريد تناغما وتناسقا على شاكلة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي ووزيره في المالية فتح الله ولعلو . وبالرجوع إلى خطاب الملك في افتتاح مجلس البرلمان لدورته الخريفية، فالآيات القرآنية التي تليت كانت بمثابة رسالة واضحة وليست مشفرة لمن يهمهم الأمر ولمن كتب علينا أن يتحملوا المسؤولية، فهي ليست تشريفا بل تكليفا الشعب المغربي الطيب في غنى على هذه النزلات الشعبوية، شعب يستحق من وزرائه، من برلمانيه أن يتفانوا في خدمته وليس في البحث عن مآربهم.