طول المدة التي استغرقتها ولادة النسخة الثانية من حكومة عبد الإله ابن كيران لم تعد تستدعي مزيدا من الوقت للانتظار، فبمجرد ما تم تعيين أعضاء الحكومة الجدد، حتى انتقلوا مباشرة إلى مقرات وزاراتهم، حيث سيجري تبادل السلط لتكون الحكومة جاهزة يومه الجمعة بمناسبة افتتاح الملك لأشغال البرلمان. وتظهر تشكيلة النسخة الحكومية الثانية أن الأمر يتجاوز مجرد تعديل وزاري يتم بموجبه تعويض وزراء الاستقلال بالوزراء التجمعيين الجدد، ليقترب من تعيين حكومة تكاد تكون جديدة من حيث هيكلتها، ومن حيث التغييرات التي طرأت عليها ولم تكن واردة ولو كاحتمال خلال مشاورات تشكيل الحكومة. من حيث العدد ارتفع عدد القطاعات الوزارية إلى 39 قطاعا وزاريا بعدما كان محددا في النسحة السابقة في 31 وزيرا، ويبدو أن ذلك جاء نتيجة صعوبة التوصل إلى توافقات تخلق تسويات بين حلفاء ابن كيران وفي نفس الوقت زيادة تمثيلية النساء، دون النفخ في الجهاز الحكومي. وضمت التشكيلة الحكومية الجديدة 15 وزيرا جديدا ثلثهم نساء. بينهم ستة وزراء منتدبين، ووزيران مستقلان بدون انتماء حزبي. وزاد حلفاء ابن كيران في حصصهم الوزارية مقارنة بالنسخة الأولى من الحكومة، فيما احتفظ حزب العدالة والتنمية بنفس عدد حقائبه المحدد في 11 وزارة، وفي المقابل رفع التقدم والاشتراكية حصته من أربع حقائب إلى خمس، وزادت حقائب الحركة من أربع وزارات إلى ست حقائب وزارية، فيما حصل التجمع الوطني للأحرار على ثمان حقائب بزيادة حقيبتين عن تلك التي أفرغها حزب الاستقلال. ويبدو قادة التحالف أكثر من قدموا تنازلات لإخراج النسخة الثانية من الحكومة، فامحند العنصر أمين عام الحركة الشعبية غادر وزارة الداخلية التي ظل الحركيون يفخرون بتسييرها طيلة السنتين الماضيتين ليتقاسم مع نبيل نبعد الله أمين عام التقدم والاشتراكية حقيبة السكنى والتعمير وسياسة المدينة، والتي خضعت لعملية جراحية أسندت التعمير للعنصر وتركت السكنى لنبيل بنعبد الله. أما صلاح الدين مزوار رئيس التجمع الوطني للأحرار فقد اضطر للتنازل عن حقيبة الاقتصاد والمالية بعدما أقنعته اغراءات تولي حقيبة وزارة الشؤون الخارجية والتعاون. وتكشف النسخة الثانية من الحكومة عن عودة بعض القطاعات الحكومية إلى المجال السيادي بعدما كانت قد خرجت منه لتدخل المجال الحزبي، ويتعلق الأمر بوزارة الداخلية التي أسندت لمحمد حصاد الوالي السابق فيما قد يعتبر تحضيرا للإطار المؤسساتي المحايد للإشراف على الانتخابات المحلية والجهوية المقبلة، وفي نفس الوقت يأتي تعيين التقنوقراطي رشيد بلمختار في منصب وزير التربية الوطنية منسجما مع الخطاب الملكي الذي انتقد فيه النزعة الحزبية والسياسوية في تدبير ملف منظومة التربية والتكوين وإشرافه الشخصي على تعيين رئيس المجلس الأعلى للتعليم. وتبدو بعض الأسماء مفاجئة في مغادرتها للحكومة رغم تسريب أخبارها من قبل، ويندرج في هذه الحالة سعد الدين العثماني الذي كان يشغل حقيبة الشؤون الخارجية والتعاون وبدا نشيطا طيلة السنتين الماضيتين في لحظة ديبلوماسية مغربية استثنائية سواء في العلاقة مع الولاياتالمتحدة أو تدبير ملف الصحراء وكذلك في تنشيط عضوية المغرب في مجلس الأمن، ويظهر أن ذلك كان الخيار الصعب في توافقات ابن كيران للحفاظ على إدريس الأزمي في وزارة الاقتصاد والمالية. ويظهرت أن ابن كيران لم يتنازل فقط عن العثماني من أجل بقاء الأزمي في وزارة الاقتصاد والمالية، بل تنازل أيضا عن حقيبة الشؤون العامة ليسندها إلى الوزير الاستقلالي محمد الوفا الذي طرده حزب الاستقلال، وفي المقابل تخلى عن نجيب بوليف الذي كان يشغل هذه المهمة ليصبح مجرد وزير منتدب لدى وزير التجهيز والنقل مكلف بالنقل. وسيحسب للنسخة الثانية من حكومة ابن كيران حرصها على تجاوز الأعطاب التي واكبت نسختها الأولى من حيث تمثيلية النساء، فبعد أن كانت الحكومة لاتضم سوى امرأة واحدة، ارتفع العدد ليصل إلى ست وزيرات، وهو ثاني رقم قياسي بعد حكومة عباس الفاسي التي كانت تضم سبع نساء. وإن كان الوصول إلى هذا الرقم قد تطلب تفصيل الهيكلة الحكومية على مقاس هذه التمثلية. * (ملف شامل يتضمن تحليلات وبورتريهات الوزراء الجدد في النسخة الورقية للأحداث المغربية- عدد يوم الجمعة 11 أكتوبر 2013) القسم السياسي