قدر بعض ساكنة مراكش العتيقة، أن تدفع مرتين فاتورة ضعف البنية التحتية التي عرت عنها الأمطار العاصفية الأخيرة التي أغرقت مجمل فضاءات المدينة. فبعد أن امتدت عوادي المياه المتساقطة حينها، إلى العديد من الدور والمنازل وأتلفت الأمتعة والأفرشة، وتركت أصحابها"الله كريم" يجترون خساراتهم الفادحة، دون أن تنفعهم الاحتجاجات واستنكار مظاهر الاستهتار التي ما انفكت تعتمد في مقاربة وتدبير الشأن المحلي، ظل المعنيون يضعون أياديهم على قلوبهم تحسبا للقادم من الأحداث ، بالنظر لتجارب أهل الحضرة المراكشية مع هذا النوع من الوقائع والأحداث. هشاشة البنية التحتية، وتقادم المنازل بالمدينة العتيقة التي ارتكزت في بنائها على مواد طينية بسيطة تعتمد أساسا طريقة "تالواحت" أو "تابياّ"، جعل التساقطات المطرية تشكل "البعبع" المخيف لساكنة هذه الفضاءات، بالنظر لتأثيرات وتداعيا أحوال الطقس بالمدينة. تعاقب أشعة الشمس الحارقة على الجدران والأساسات،بعد مرحلة هطول أمطار الخير، غالبا ما تؤدي إلى تعريتها وتشبعها بالرطوبة، لتصبح عرضة للتشققات والتصدعات، وبالتالي تتحول إلى قنابل موقوتة قابلة للإنفجار في وجوه ساكنيها في أية لحظة أو حين. الدور هذه المرة حل على سكان حي الحارة العريق، حين فوجؤوا أول أمس بالأرض تميد من تحت منازلهم، وتنهار في بعض أجزائها لعمق سحيق، خلف حفرة غائرة بقطر شاسع، ما أدى إلى إصابة العديد من الدور والمنازل المجاورة بتشققات وتصدعات أصبحت معها قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار. عم الرعب والذعر في صفوف ساكنة هذه الفضاءات، فعمدوا إلى ربط الاتصال بجملة الجهات المسؤولة محليا للاستنجاد بها وطلب تدخلها، فظل بعدها الانتظار سيد الموقف إلى أن طفح الكيل بالمتضررين، وبدؤوا يرفعون عقيرتهم بالتنديد والاحتجاج. بعد طول انتظار حل مندوبون عن إحدى الشركات التي تتعاقد معها مصالح الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بمراكش ( الراديما) للنهوض بالأشغال الخاصة بشبكة التطهير السائل، وفاجؤوا السكان باقتراح غريب لا يستقيم ومنطق العمل العلمي والتقني، حين لوحوا بالاكتفاء بتغطية الحفرة بكمية من التراب والإنصراف بعدها و"مريضنا ما عنذو باس"،دونما اعتبار لما قد تشكله سياسة"التدماق "المقترحة من خطر داهم على الساكنة المتضررة. ارتفعت الأصوات بالاحتجاج تعبيرا عن رفض الفكرة جملة وتفصيلا، ومن ثمة الإلحاح على ضروروة حضور مسؤولين من الراديما لموقع الحادث، لمناقشة الساكنة والبحث عن حلول ناجعة تمكن من سد "باب الخطر الخطر المحدق"، والبحث في تعويضات الساكنة التي تضررت منازلها بفعل الانهيار الأرضي المفاجيء، ليتحول المكان إلى ساحة للاحتجاج والاستنكار، ما جعل الهواتف تتحرك في كل اتجاه، ويضطر بعض مسؤولي المؤسسة المذكورة إلى الالتحاق بالموقع والشروع في تهدئة الخواطر،مع طمأنة الجميع بإيجاد حلول مقبولة ومعقولة، تمكن من إرضاء جميع المتضررين، ليبقى الوضع على ما هو عليه في انتظار المقبل من الأيام. وقد ظلت المدينة تعاني من الظاهرة على امتداد العقود الأخيرة، ما أدى إلى تسجيل أزيد من 750 منزلا أصبحت كلها معرضة للانهيار وتصنف في خانة الدور الآيلة للسقوط، حيث ظل المسؤولون الذين تعاقبوا على تدبير شؤون المدينة الحمراء، يعتمدون في مقاربة الظاهرة نفس سياسة" كم حاجة قضيناها بتركها" مع الاستنجاد بحلول ترقيعية، أثبتت الأيام عدم فاعليتها وجدواها، لتنتهي باستنزاف مبالغ مالية طائلة من المال العام، دون أن تنجح في إخراج الساكنة المتضررة من شرنقة الخطر الداهم،الذي تشكله هذه البيوتات والمنازل، ما أدى ويؤدي إلى مآسي اجتماعية متواصلة بسبب الانهيارات المفاجئة، التي غالبا ما أدت إلى مصرع العديد من المواطنين، فيما أهل الحل والعقد يكتفون بعدها بحشد أساطيل القوات العمومية تفاديا لكل ما من شأنه، وتبقى بعدها دار لقمان على حالها، في انتظار ما لا يأتي، ولسان حال الساكنة يردد الحكمة الشعبية المأثورة" ما حس بالمزود ،غير اللي مضروب به". إسماعيل احريملة تصوير : عبد النبي الوراق