إن المرافعة العلمية والقانونية والاجتماعية التي قامت بها القيادة النقابية باسم الأساتذة الباحثين في اللجنة الوطنية لتنسيق التعليم العالي، أفشلت سياسة المرور بالطرق الملتوية نحو خوصصة وتسليع قطاع التكوين الطبي والمعماري. إن تأجيل المصادقة على اعتماد كليات الطب «الخاصة» والمؤدى عنها لا يعني أن لوبيات الخوصصة انهزموا، وهذا يتطلب تعبئة وطنية للأساتذة الباحثين وكل القوى الحية في البلاد للتصدي للمنحى الحكومي الرامي لتسليع وتبضيع التعليم العالي، لأن خطر خوصصة كليات الطب ، يسائل نوعية الأطباء الذين ستدفع بهم أرحام هذه التكوينات ، لأن هدفها الأساسي هدف تجاري محض، خال من أي جانب أكاديمي من شأنه تطوير واقع الطب في بلادنا، فبدل الرفع من الطاقة الاستيعابية لكليات الطب والرفع من مجال التداريب الاستشفائية وزيادة عدد الأساتذة وتأهيل المستشفيات الجامعية الحالية، يتم الرهان على كليات «خاصة» كمدخل لتهميش كليات الطب العمومية واستنزاف لكوادرها، مما يهدد مستقبل الآلاف من الطلبة الأطباء. وفي الأخير، ما هو جوهر الخلاف بين الوزارة والنقابة الوطنية للتعليم العالي ؟ جميع المؤتمرات النقابية أكدت على الدفاع عن جامعة عمومية، عصرية، جيدة ومنتجة، وشعار مؤتمرها الأخير «من أجل تعليم عال جيد عمومي ديمقراطي وموحد» يؤكد على هذا المطلب. فبدل أن تسير الحكومة بسياستها في القطاع في اتجاه تدعيم هذا المطلب الاستراتيجي وفتح النقاش الشفاف والمنتج حول تأهيل التعليم الجامعي العمومي ليصبح أكبر شأن استراتيجي في الدولة والمجتمع وبلورة ميثاق مواطنتي حول الجامعة العمومية، نراها تخضع من جهة للأمر الواقع أي لما ورثته من الحكومات السابقة، بل وتجتهد في تقليص فضاء الجامعة العمومية وتوسيع فضاء الخوصصة والتفويت للمؤسسات الاجنبية. إن النقابة الوطنية للتعليم العالي كانت ولازالت تحذر من التطبيع مع واقع التمييز الطبقي و«التمييز الجامعي» القاضي بتوزيع الفضاء الجامعي إلى مؤسسات «خمس نجوم»خصوصية وأجنبية ومؤسسات ذات الولوج الحر المتروكة إلى أمرها والمفتوحة على المجهول، لذلك أكدت النقابة ولازالت على الواجب الوطني القاضي بالدفاع عن جامعة وطنية، عمومية، تكون هي العمود الفقري لنظام التكوين العالي والبحث العلمي. إن دفاع الوزارة عن استمراريتها في تطبيق النهج السابق القاضي بتركيز التمييز الطبقي و«التميزالجامعي» في التعليم العالي، لن يزيد إلا من تأزيم الجامعة العمومية ومن تم إقصاء بنات وأبناء الشعب المغربي الراغبين في تعليم مجاني،منتج ،جيد وعصري.