بعد صدور الدستور الحالي، أثير تساؤل بشأن موقف الدستور من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بحيث راج اعتقاد شائع بإلغاء الدستور لهذه المؤسسة، خصوصا بعد تكليف عميدها بتصريف أمورها، نتيجة إعفاء أعضاء مجلسها الاداري من مهامهم في بداية هذه السنة. هذا وان المادة الدستورية المثيرة لهذا التساؤل تتجلى في الفقرة السادسة من الفصل الخامس التي تنص على ما يلي : «يحدث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية مهمته، على وجه الخصوص حماية وتنمية اللغتين العربية والامازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، باعتبارها ثراتا أصيلا وإبداعا معاصرا، ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات، ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتركيبته وكيفيات سيره». فهل يقضي هذا الفصل حقا بإلغاء المعهد الملكي للثقافة الامازيغية ؟ ذلك ما سيتم مناقشته في هذه المقالة. لقد استند الرأي القائل بإلغاء الدستور للمعهد الملكي، على تفسير غير صحيح لكلمة «يضم» الواردة في هذا الفصل، التي فهم منها، أنها تدل على الانصهار الكلي لجميع المؤسسات اللغوية القائمة، من ضمنها المعهد الملكي، في المجلس الوطني للغات، هذا الانصهار الذي يؤدي حتما الى ذوبانها النهائي في هذا المجلس، وبالتالي إلى محوها من الوجود، وهكذا وبناء على هذا الفهم استنتج أن انضمام المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الى المجلس الوطني المذكور، يعتبر إلغاءا ضمنيا له، وبالتالي حلول هذا المجلس مكانه. لكن هذا الرأي فاسد في تقديري لعدم إدراكه الدلالة الحقيقية لتلك الكلمة، ذلك أن الدستور لم يكن بتاتا يقصد من إيراده لفظة «يضم» إقرار هذا الاندماج الانصهاري الكلي الذي تفقد فيه تلك المؤسسات اللغوية استقلالها ووجودها، بل يقصد منها فقط فكرة الاندماج التركيبي الذي تحتفظ فيه هذه المؤسسات على خصوصيتها واستقلالها، أما السند الذي يثبت هذا الأمر فهو نص الدستور نفسه، الذي يشكل طبعا المرجع الأساسي والحاسم في هذه المسألة. فبالرجوع إلى الفصل 53 من الدستور الذي يتعلق بإحداث مجلس أعلى للأمن، نجده قد استعمل كذلك كلمة «يضم» في فقرته الثالثة التي تنص على ما يلي : «يضم المجلس الأعلى للأمن في تركيبته علاوة على رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والوزراء المكلفين بالداخلية، والشؤون الخارجية،والعدل، وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عن الإدارات الأمنية وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية وكل شخصية أخرى يعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس». من البديهي أن لا أحد يرى أن قصد الدستور من إيراده لفظة «يضم» في الفصل 53 المذكور، يتمثل في إلغاء رئاسة الحكومة، والبرلمان، والوزارات وغيرها من المؤسسات الأخرى المنصوص عليها في هذا الفصل، وبالتالي حلول المجلس الأعلى للأمن محلها، لانصهارها فيه . إذن بعد هذه المقارنة بين الفصل 53 المتعلق بإحداث المجلس الأعلى للأمن، وبين الفصل الخامس المتعلق بإحداث المجلس الوطني للغات، لم تعد الحاجة إلى توضيح قصد الدستور من كلمة « يضم « التي تعني مشاركة المعهد الملكي في أشغال هذا المجلس الوطني الى جانب مؤسسات لغوية أخرى، للمساهمته في إعداد سياسته وفي تفعيلها، وذلك مثلما كان قصده من انضمام المؤسسات الوزارية والتشريعية والعسكرية الى المجلس الاعلى للامن، هي مشاركة هذه المؤسسات في أشغال هذا المجلس، وليس إلغاؤها. وإذا كان المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وفق هذا المنظور سيظل محافظا على خصوصيته واستقلاله، فإن تعيين تركيبة أعضائه سيبقى والحالة هذه، من اختصاص جلالة الملك، بناء على الفصل 42 من الدستور، بينما يعود تعيين تشكيله أعضاء المجلس الوطني للغات الى اختصاص مجلس الحكومة تحت رئاسة رئيس الحكومة، بناء على الفقرة الحادية عشرة من الفصل 92 من الدستور. فالغرض من التذكير هنا بهذه الاختصاصات هو أن أصحاب الرأي السابق، كانوا بسبب اعتقادهم حلول المجلس الوطني للغات محل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، يظنون أن تدبير الشأن الأمازيغي لم يعد شأنا ملكيا، بل أصبح شأنا حكوميا محضا، ومن تم اعتقدوا أن تعيين تركيبة أعضاء هذا المجلس وكذا أعضاء كل المؤسسات اللغوية التابعة له، سيكون من اختصاص الحكومة في إطار الفصل 92 الآنف الذكر. لكن والحال أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لم يقع إلغاؤه، لا صراحة ولا ضمنا، كما تجلى لنا ذلك آنفا، فإن تدبير الشأن الأمازيغي من الوجهة الدستورية سيكون شأنا ملكيا وحكوميا في آن واحد، من منطلق أن الدستور نص من جهة في الفصل 42 على ان الملك يسهر على احترام الدستور، وعلى ضمان وحدة الامة ودوام الدولة واستمرارها، كما نص من جهة اخرى على ترسيم اللغة الأمازيغية باعتبارها الرصيد المشترك لجميع المغاربة، ثم على تنظيم تفعيل هذا الترسيم بشكل يضمن حماية هذه اللغة وتطويرها وتنمية استعمالها، وهي أمور تدخل بطبيعتها كما هو معلوم ضمن المقتضيات الدستورية التي تسوجب الاحترام، مما يؤكد في نهاية المطاف أن تدبير الشأن الأمازيغي يدخل فعلا في صميم المهام الدستورية لجلالة الملك . إذن استنادا إلى كل هذه المعطيات يتبين عدم وجود أي تعارض بين أحكام الدستور، وبين استمرار المعهد الملكي للثقافة في إبداء المشورة السديدة إلى جلالة الملك، وفي القيام بجميع وظائفه، لا سيما في هذه الظروف الجديدة، التي أصبحت فيها الحاجة ماسة أكثر، ليس فقط الى بقاء المعهد على حاله، بل والى تطويره ودعمه ليقوم بدوره الأكاديمي في إعداد المعاجم المختلفة، وفي الاستجابة بسرعة لمتطلبات المرافق العمومية المتزايدة بشأن المصطلحات اللغوية الضرورية، وغير ذلك من الأمور التي تواكب عملية تنمية اللغة الأمازيغية وإدماجها في الحياة العامة. كما يتبين أيضا عدم وجود أي تناقض بين مقتضيات الدستور وبين مشاركة المعهد بواسطة عميده، كعضو في المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، للمساهمة في إعداد السياسة اللغوية لهذا المجلس، وفي إصدار قراراته في شأن تدبير التعدد اللغوي والثقافي في بلادنا. ويمكن القول إجمالا ان الدستور لو كان حقا يريد الغاء المعهد الملكي للثقافة الامازيغية وكل المؤسسات اللغوية القائمة، لتعويضها بالمجلس الوطني للغات، كما يعتقد، لما افتقد الى الصيغة القانونية التي يعبر بها بوضوح عن هذه الإرادة، مثل : «ويحل المجلس الوطني محل كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات»، أو أية صيغة أخرى مماثلة تدل بدقة على فكرة الإلغاء . أما والحال أن الدستور لم يفعل ذلك، فقد كانت إرادته طبعا أن يكون انضمام هذه المؤسسات الى المجلس الوطني للغات، انضماما تركيبيا، تحتفظ فيه كل مؤسسة على وجودها واستقلالها. وأخيرا أشير إلى رأي آخر، قرأ الفصل الخامس المذكور هذه القراءة الصحيحة، التي تفيد عدم إلغاء الدستور لهذه المؤسسات اللغوية، ولكنه يرى أن احتفاظ المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية داخل المجلس الوطني للغات، بصفة « الملكي « يخرق مبدأ المساواة بين اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية، ومن تم يطالب بتجريد المعهد من هذه الصفة، إقرارا للمساواة. ما من شك أن الاحتجاج هنا بمبدأ المساواة، غير وارد، لأنه حق أريد به باطل، على اعتبار أن هاتين اللغتين لم تكونا متساويتين أصلا عند إضفاء هذه الصفة على المعهد، إذ الفرق الذي كان ولا يزال، بين العربية والأمازيغية يماثل الفرق بين السماء والأرض، أو بين الفيل والنملة إن صح التعبير، بمعنى أنه لو كانت اللغتين متساويتين آنذاك، فجاءت صفة «الملكي» لتخل بهذا التوازن، ولترفع الأمازيغية من حيث الكيف والكم، إلى مستوى أعلى أو إلى حجم أكبر، لكانت العدالة تقتضي حذف تلك الصفة من المعهد، لتعود اللغتين إلى حالة المساواة السابقة. لكن والحال أن الأمازيغية لم تكن بتاتا متساوية مع العربية، بل ولم تقم صفة «الملكي» المراد إزالتها، بتقليص ذلك الفرق الشاسع بين اللغتين، فإن هذا الرأي – وهو يرفع شعار المساواة – يضمر في نفسه بلا شك، نية تكريس الميز اللغوي الممارس على الأمازيغية في بلادنا منذ مئات السنين، هذه النية التي جعلته يستكثر على الأمازيغية أن تحظى بعناية ملكنا العادل، وهو يعلم جيدا مدى حاجتها الماسة إلى هذه العناية الخاصة، بسبب ما مورس عليها من تهميش وميز ممنهج طيلة عهود كثيرة . محام بهيئة الدارالبيضاء