تشريحات في حالات وفيات تنفذ بمعدات متقادمة وفي أروقة المستشفيات … نقص حاد في البنيات الخاصة بتشريح الجثت … نقص كبير في الأطباء المتخصصين … تعويض مادي هزيلة لا تتجاوز 100 درهم عن كل تشريح … أروقة تشريح معزولة عن المحيط الطبي … شذرات فقط من فيض غزير من النقائص التي سجلها تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقريره الأخير حول التشريح الطبي في المغرب. الطب الشرعي، الأداة الأساسية في تحديد الأحكام الصادرة في حق الجناة وتحديد حقوق الضحايا، ظل لسنوات طويلة مجالا يعتريه الظل، إلى حدود صدور التقرير رسميا أول أمس. أكثر من ذلك، أورد هشام بنعيش، مدير مركز الطب الشرعي، حالة تدعو للكثير من القلق والتساؤل، تتعلق بإجراء 181 خبرة طبية لتحديد الخسائر، أجرتها طبيبة أسنان غير متخصصة ! الخيط الكارثي لوضعية التشريح الطبي، استهله التقرير من بالأنشطة الطبية المصاحبة لتشريح الجثت. في الغالب، تتم هذه العمليات في بنيات «شبه طبية» أو مستودعات الأموات، ونادرا ما تجرى في أماكن اكتشاف الجثت. بنيعيش أورد في هذا السياق أن بعض التشريحات تتم في أروقة بعض المستشفيات. ينضاف إلى ذلك، فقدان الأطباء المتدخلين في عمليات التشريح لأي تكوين خاص، ولا تقدم لهم أية معلومات حول الغاية من التحقيقات الأمنية أو القضائية المرتبطة بعملية التشريح، بالرغم من أن التنسيق بين مختلف الأجهزة أمر حيوي لسير التحقيق وإعمال العدالة. ولا تتلقى المستشفيات المعنية بعملية التشريح أية تعويضات مادية، في حين أن تعويض الأطباء الشرعيين لا يتعدى المائة درهم ! الوضعية الصعبة للطب الشرعي في المغرب، تزداد صعوبة، يضيف التقرير، بفعل تدوين الشهادات بخط اليد ما يجعلها غير قابلة للقراءة في معظم الحالات. وحتى في الحالات النادرة التي تدون فيها الشهادات بخط واضح، فإنها غالبا ما تفتقر للمعلومات المظبوطة والاستنتاجات المنطقية، بشكل لا يفضي إلى أساس يحدد مدد العجز، ما يعرقل سير العدالة في تحديد الأحكام الدقيقة الخاصة بالمتهمين، وتعويضات التأمين المفتقدة لإطار مرجعي وطني. خبراء لجنة المجلس الوطني لحقوق الإنسان سجلوا في التقرير أيضا، أن الخبرة الشرعية يكلف بها أطباء مسجلين في لوائج محاكم الاستئناف كخبراء لا يتوفرن في غالبيتهم على التكوين اللازم، في وقت لا تسمح فيه قوانين للأطباء الشرعيين وأساتذة الطب الجمع بين الخبرة كمهنة حرة وعملهم كوظيفة. لمواجهة هذه الوضعية، يقترح المجلس الوطني لحقوق الانسان وضع إطار مؤسساتي وطني للنشاط الطبي الشرعي وإحداث بنية مركزية لإعداد وأجرأة مخطط مديري للنهوض بهذا القطاع. بالإضافة إلى وضع إطار تشريعي متكامل للأنشطة الطبية الشرعية ووضع المرفق العمومي الاستشفائي في قلب المنظومة وتقوية التكوين ورفع التعويضات لكل المتدخلين